الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الأقوال في حجية ما ورد في الكتب الأربعة - مبحث حجية خبر الواحد.

 

رابعاً: - توجد في كتاب الكافي روايات يصعب التصديق بها، من قبيل ما دل على أنَّ امير المؤمنين عليه السلام ارتقى يوماً المنبر وقال: - ( لا تزوجوا ولدي الحسن عليه السلام فإنه مطلاق )[1] ، فكيف يقول أمير المؤمنين عليه السلام هذا الكلام في حق ولده الحسن عليه السلام فإنه إهانة له؟!! إلا أن يوجَّه ذلك بأنه خاف على ولده من قبائل العرب فسلك هذا الطريق ليبعده عن الفتنة، وإذ كان هذا هو المقصود فلا بأس به.

ومن قبيل ما وراه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: - ( في قول الله عزَّ وجل " وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون " رسول الله الذكر وأهل بيته عليهم السلام المسؤولون وهم أهل الذكر )[2] ، وهذا التفسير المذكور لا يتلاءم مع الآية الكريمة ويصعب التصديق به إلا أن نقول قد حصل اشتباه من الراوي.

وأما الدعوى الثانية ففي مقام الردَّ عليها نقول: -

أولاً: - إما أنَّ يدّعى أنَّ هذه الأصول الاربعمائة متواترة بقطع النظر عن النسخ الموجودة التي تحكيها، أو يدّعى تواتر النسخ أيضاً، والأول لا ينفع فإنَّ المهم هو النسخة التي تحكي عن تلك الأصول فهذه النسخة يلزم أن تكون معتبرة، وأما تواتر الأصول فلا ينفع، والثاني شيءٌ يصعب التصديق به أو هو بعيدٌ جداً، فإنَّ النُسَخ قد تختلف عادةً، نعم إذا كانت النُسَخ متفقة أحرزنا ذلك الأصل وأما إذا كانت مختلفة فحينئذٍ كيف نحرز النسخة الصادقة منها؟!!

ثانياً: - إنَّ الشيخ الطوسي جعل مشيخةً في آخر التهذيب والاستبصار وقال أذكر لكم طرقي إلى الأصول التي أنقل عنها في كتاب التهذيب ( لتخرج الأحاديث من الارسال إلى الاسناد)[3] ، وهذا معناه أنه لولا هذه الطرق لأصبحت تلك الأصول مراسيل وغير معتبرة، وهذا يدل على أنها ليست مقطوعة الصحة وليست متواترة وإنما تحتاج إلى طريقٍ معتبرة.

ثالثاً: - إنه بناء على فكرة التبّرك التي تمسك بها بعض الاعلام - حيث قال إنَّ الطرق التي تذكر إلى الأصول الاربعمائة هي طرق تبركيَّة لا حاجة إليها بل الهدف من ذكرها لأجل اتصال السند بمعدن العصمة والطهارة تبركاً - يكفي للتبرك ذكر طريقٍ واحد ولا حاجة إلى الإكثار منها وتكرارها، كما لا حاجة إلى أن يكتب الشيخ الطوسي مؤلفاً مستقلاً بعنوان المشيخة ويلحقه بالتهذيب.

رابعاً:- إنَّ النجاشي تحرز عن الرواية عن الضعفاء، فلو كانت هذه الأصول متواترة فحينئذٍ لا داعي إلى تحرّزه عنهم، فمثلاً في ترجمة محمد بن عبيد الله بن الحسن الجوهري قال :- ( رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ولوالدي وسمعت منه شيئاً كثيراً ورأيت شيوخنا يضعّفونه فلم ارو عنه شيئاً وتجنبته )[4] ، وذكر في ترجمة محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول:- ( وكان في اول أمره ثبتاً ثم خلط ورأيت جل اصحابنا يغمزونه ويضعفونه ... رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه )[5] ، فإذا كانت هذه الأصول متواترة فلماذا يتوقف النجاشي في النقل أمثال هؤلاء إذا كان الهدف من ذكر السند هو التبرك ؟!!

خامساً: - طلب أحمد بن محمد بن عيسى من الحسن بن علي الوشاء دفع كتاب أبان الأحمر والعلاء بن رزين إليه وطلب منه سماعه منه فعاتبه على استعجاله وقال له: - ( اذهب فاستنسخها ثم اسمعها ثم تعال اسمعها مني، فقال له:- لا آمن الحِدْثان ) وهذا يدل على أن تلك الاصول ليست متواترة حتى لا يحتاج إلى أن يُسِمعَه منها، ويقول النجاشي في ترجمة الوشاء إنَّ احمد بن محمد بن عيسى قال:- ( خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت فيها الحسن بن علي الوشاء فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلى وعثمان بن أبان الاحمر فأخرجهما إليَّ، فقلت له:- أحب أن تجيزهما لي؟ فقال لي: - يا رحمك الله وما عجلتك؟! اذهب فاكتبهما واسمع من بعد، فقلت:- لا آمن الحِدثان[6] )[7] ، وهذا يدل على أنَّ الأصول الاربعمائة ليست متواترة وإلا لم يحتج إلى أن يسمعها منه.


[1] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص56.
[2] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج1، ص211.
[3] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج10، ص5.
[4] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج، ص86.
[5] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج، ص396.
[6] الحِدْثان:- نوائي الدهر.
[7] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج، ص39.