46/06/13
الموضوع:- ما دل على عدم حجية خبر الواحد من السنة الشريفة - مبحث حجية خبر الواحد.
وفي تحقيق الحال في الدعويين - التي تقول أولاهما إنَّ جميع اخبار الكتب الأربعة قطعية الاعتبار ولا تحتاج إلى سند وثانيهما أنَّ الأصول التي ينقل عنها الاصحاب كالمحمدين الثلاثة هي معروفة مشهورة مقطوعة الاعتبار ولا تحتاج إلى طريق وإنما نحتاج إلى سند معتبر بين صاحب الاصل إلى الامام عليه السلام - نقول: -
أما بالسنبة إلى الدعوى الأولى: - فقد يستند لإثبات ذلك إلى العبارات التي ذكرها المحمدون الثلاثة في مقدامات كتبهم، أما الشيخ الكليني فقد ذكر في مقدمة كتابه الكافي ما نصه:- ( قلت إنك تحب أن يكن عندك كتاب كافٍ يجمع فيه من جميع فنون العلم ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والهمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام ... وقد يسّر الله وله الحمد تأليف ما سألت )[1] ، وعبارته (وقد يسر الله وله الحمد تأليف) جاءت في محلّها؛ إذ لو لم تأتِ بهذه العبارة في ذيل كلامه لما نفعتنا العبارة السابقة لإثبات المطلوب، فإنه قد طُلب منه تأليف ذلك الكتاب ولكنه ذكر في نهاية كلامه أنه قد يسّر الله وله الحمد تأليف ما سئل وهذا يدل على أنه كتب هذه المقدمة بعد أن أتمَّ كتابة كتاب الكافي وأنَّ الاخبار التي ذكرها فيه صحيحة.
وأما الشيخ الصدوق فقد قال في المقدمة كتاب من لا يحضره الفقيه ما نصه: - ( ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلى أيراد ما أفتي به وأحكم بصحته واعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره ... وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع )[2] ، وهي واضحة في أنه ينقل الاخبار المعتبرة لأنه يقول ( إلا ما افتي به واحكم بصحته ).
وأما الشيخ الطوسي فعبارته في مقدمة الاستبصار طويلة يصعب نقلها وقد اختصرها صاحب الوسائل[3] .
وعلى هذا قد يقال إنَّ أحاديث الكتب الأربعة مقطوعة الاعتبار لشهادة نفس المحمدين الثلاثة بذلك.
وفي التعليق نقول: -
أولاً: - إنَّ الصحة في تعبير القدماء لا تساوق الصحة بالمعنى المتداول في زماننا المتأخر، بل هم يقصدون به وجوب العمل بالرواية ولو لأجل اقترانها بالقرائن، ومن المعلوم إنَّ تلك القرائن التي استندوا إليها في الحكم بصحة جميع الرايات التي اودعوها في كتبهم لو اطلعنا لعلنا لم نعتبرها ولا أقل لا نعتبر قسماً منها ولا يوجد احتمال أننا سنوافق عليها بأجمعها، وعليه فلا يمكن أن نسلَّم باعتبار جميع الروايات الواردة في هذه الكتب، فإنه لو كان هناك احتمال كون النصف أو الربع منها غير معتبر فلا يمكن تشخيصه، ومادام لم يتشخص هذا العدد غير المعتبر فيكون جميعها غير معتبر إلا بعد مراجعة كل حديثٍ حديث منها فإن كان معتبراً أخذنا به وإلا فلا.
ثانياً: - إذا كانت أحاديث كتاب الكافي مثلاً بأجمعها صحيحة فلا حاجة حينئذٍ لأن يطلب السيد الشريف أبو عبد الله المعروف بنعمة من الشيخ الصدوق أن يؤلف كتاباً والشيخ الصدوق يقول تلبية لما طلبه السيد الشريف ألفت هذا الكتاب بل عليه أن يقول يوجد عندنا كتاب الكافي وهو صحيح ومعتبر، فلماذا هو يتصدى للتأليف بنفسه مع وجود كتابٍ صحيح ومعتبر؟!
ثالثاً:- إذا كانت جميع هذه الكتب معتبرة فلماذا يناقش الشيخ الطوسي بعض الاخبار التي ذكرها في مقام الاستدلال بل عليه أن يغمض عنها ويأخذ بها من دون مناقشة والحال أنه من المحمدون الثلاثة؟!!، قال في التهذيب بالنسبة الى الخبر المتضمن لتحريم لحم الحمار الأهلي ما نصه:- ( ما تضمن هذا الحديث من تحريم لحم الحمار الأهلي موافق للعامة والرجال الذين رووا هذا الخبر أكثرهم من العامة وما يختصون بنقله لا يلتفت إليه )[4] ، وعندما نقل خبرين عن عمران الزعفراني علق عليهما قائلاً:- ( راويهما عمران الزعفراني وهو مجهول، وفي اسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصون بروايته )[5] ، فنلاحظ هنا أنَّ الشيخ الطوسي بنفسه لا يعتقد باعتبار جميع روايات كتابيه فكيف لنا أن ندعي أنَّ جميع هذه الاخبار معتبرة السند؟!!