46/06/07
الموضوع:- ما دل على عدم حجية خبر الاحد من السنة الشريفة - مبحث حجية خبر الواحد.
الأمر الثاني:- إنَّ مسألة جابرية الشهرة لضعف السند وكاسريتها للسند المعتبر إذا كان الشهرة على خلاف الرواية لها تأثيرها على علم الرجال وعلم الفقه، فمن يبني على هذين المبنيين فإنَّ لهذا تأثيره على علم الرجال وعلم الفقه ويجدر الالتفات إلى ذلك، أما تأثيره على علم الرجال فباعتبار أنه بناءً على الجابرية والكاسرية سوف لا نحتاج إلى علم الرجال بل ما أخذ به المشهور فهو مجبور ونأخذ به وأما رجال السند فلا يهمنا أمرهم والمهم هو أخذ المشهور بهذه الرواية، فيصير أخذهم بها جابر للرواية فنأخذ بها بقطع النظر عن رجال السند، وأما إذا لم يأخذ المشهور بها فسوف لا نأخذ بها بغض النظر عن رجال السند، فمن بنى على أنَّ الشهرة الفتوائية جابرة لضعف الحديث أو كاسرة لقوة السند المعتبر فسوف لا يسير وراء رجال السند وأنهم ثقات أو لا وإنما يسير وراء المشهور فإن عملوا بها صارت معتبرة وإن لم يعملوا بها صارت ضعيفة سواء كان رجال السند معتبرون أو لا.
وأما الثمرة في الفقه، فإنَّ الفقيه سوف لا يلاحظ كون الرواية معتبرة أو غير معتبرة بل يفتي على طبقها مادام قد أخذ بها المشهور ويترك الرواية مادام قد تركها المشهور، وعلى هذا سوف تختلف النتائج الفقهية بين الفقيه الذي لا يبني على جابرية وكاسرية الشهرة وبين الذي يبني عليها، لأنَّ من يقول بكونها لا كاسرة ولا جابرة سوف يسير وراء السند، وأما الذي يقول بجابريتها وكاسريتها فسوف يغمض عينه عن السند وينظر على عمل المشهور وعدم عمله فإن عمل بها المشهور أخذ بها وإن لم يعمل بها المشهور تركها.
وأما السؤال الرابع – وهو أنه هل الخبر الصحيح يسقط عن الحجية بإعراض المشهور - فجوابه:- إنه في هذا المجال يمكن أن ننسب إلى المشهور بين الفقهاء أنَّ الخبر يسقط عن الاعتبار بإعراض المشهور عنه، وكلما ازدادت صحة الخبر من حيث السند وأعرض المشهور عنه كلما ازداد الوهن فيه عند الذين يقولون بأن المدار على عمل المشهور وتركهم، فإنهم يقولون إنَّ الخبر إذا كان صحيح السند وأعرض المشهور عنه فهذا يكشف عن وجود علّة وخلل فيه، فكلما ازداد الخبر قوة في السند كلما ازداد ضعفاً بسبب اعراض المشهور عنه.
هذا ولكن السيد الخوئي(قده) ذهب إلى عدم سقوط الخبر عن الحجية بإعراض المشهور وقال[1] : - مادام الخبر حجة في نفسه فلا وجه لرفع اليد عنه بإعراض المشهور، نعم إذا تسالم الكل على هجره فهنا يحصل الاطمئنان بأنَّ هذا الخبر إما أنه لم يصدر أصلاً أو أنه قد صدر عن تقية.
ومن هذا نجد أنه التزم بالتفرقة بين مسألة هجران المشهور وبين مسألة اعراضه، فقال إنَّ إعراض المشهور لا قيمة له بل مادام السند للخبر معتبر فسوف نأخذ به، وأما إذا كان الهجران موجود وهو ترك الكل فسوف لا نأخذ بالخبر حينئذٍ مصباح الأصول.
وفي مقام التعليق نقول:- إذا فرض أنَّ الذي أعرض عن الخبر كان من الطبقة المتقدمة يعني في طبقة الشيخ الكليني والصدوق وأمثالهما وليس من المتأخرين كالعلامة الحلي فحينئذٍ يمكن أن يقال بأن إعراضهم يسقط الخبر الصحيح السند عن الحجية؛ إذ لو لم يكن هناك وهنٌ في هذا الخبر من بعض الجهات لما أعرض عنه المشهور من المتقدمين، ولعل سيرتنا هي كذلك، فإذا فرضنا أنه وسيلةً إعلامية أذاعت خبراً لكن بقية الوسائل الإعلامية لم تذعه فسوف نترك هذا الخبر ونقول لو كان هذا الخبر صحيحاً لتناقلته الوسائل الإعلامية الأخرى وأخبرت عنه، وهذه قضية وجدانية.
هذا إذا كان المعرض عن الخبر هو من المتقدمين من طبقة الشيخ الكليني وأمثاله ففي مثل هذه الحالة نقول بسقوط الخبر عن الاعتبار؛ إذ لو كان الخبر صحيحاً ومعتبراً لما أعرض عنه هؤلاء.
ونتمكن أن نقول:- إنَّ الدليل المهم على حجية الخبر ليس إلا السيرة، والسيرة لا أقل يشك في عملها بمثل الخبر الذي أعرض عنه المتقدمون، بل وآية النبأ قاصرة عن شموله لأجل أنها عللت بخوف الوقوع في الندم، ومادامت الطبقة المتقدمة من الاعلام قد أعرضت عنه فحينئذٍ لا يكون هناك خوف الوقوع في الندم إذا تركنا هذا الخبر، وإذا لم نخف من الندم عند ترك هذا الخبر فلا موجب حينئذٍ للأخذ به .
فإذاً ما افاده السيد الخوئي(قده) ينفع فيما لو كان الاعراض من المتأخرين دون المتقدمين، ولكن نستدرك ونقول إنّ ما ذكرناه وإن كان وجيهاً إلا أنه يصعب اثبات رأي المتقدمين وأنهم يوافقون الخبر أو يخالفونه حتى نقول إنَّ هذا الخبر قد خالفه المتقدمون فلا يكون حجة أو وافقوه حتى يكون حجة، خصوصاً طبقة المتقدمين على المحمدين الثلاثة فإن كتبهم ليست موجودة عندنا، ولذلك لا نستطيع أن نقول إنَّ اعراض المتقدمين يكسر حجية الخبر لصعوبة الحصول على رأيهم، وعليه يكون رأي السيد الخوئي(قده) تاماً لأجل هذه النكتة لا لما ذكره.