46/06/05
الموضوع:- ما دل على عدم حجية خبر الاحد من السنة الشريفة - مبحث حجية خبر الواحد.
وأما السؤال الثاني - وهو أنه بناءً على عدم اختصاص الحجية بالخبر الصحيح هل الحجة هو خبر الثقة فقط أو هو خبر الثقة الذي يفيد الوثوق - فجوابه: -
يظهر من جماعة أنَّ الحجة ليس هو خبر الثقة على اطلاقه فقط بل هو خبر الثقة بشرط افادته الوثوق ولو أنَّ الوثوق يحصل من قوة مضمونه وألفاظه وما شاكل ذلك - مثل نهج البلاغة فإنه حتى لو فرض ضعف سنده إلا أنه بقراءته يحصل لك الوثوق أي الاطمئنان بصدوره -، ويظهر ذلك من الشيخ الأعظم(قده)[1] أيضاً.
وقد يستدل لهذا الرأي بالوجهيين التاليين: -
الوجه الأول: - ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) من امكان استفادة ذلك من التعليل، فإن الآية الكريمة قالت: - ﴿إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ ثم عللت الامر بالتبيّن وقالت:- ﴿ أن تصيبوا قواماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾، فعلّلت بخوف الوقوع في الندم، وخوف الوقوع في الندم يتحقق فيما إذا أخذنا بالخبر من دون أن يحصل عندنا وثوق به، فلأجل التعليل بالندم يلزم حصول الوثوق.
وفي جواب نقول: - إذا سلمنا أنَّ السيرة منعقدة على الأخذ بخبر الثقة مطلقاً ولو من دون حصول الوثوق فحينئذٍ الندم لا يحصل عند الأخذ به لأنه أخذ بما تقتضيه الوظيفة، نعم إذا لم تكن منعقدة على الأخذ به مطلقاً فمن البداية سوف يكون الحجة هو خبر الثقة بشرط الوثوق، ولكن المفروض أنَّ السيرة منعقدة على الأخذ بخبر الثقة مطلقاً، وعليه فخوف الندم لا يكون موجوداً.
الدليل الثاني: - أن يقال إنَّ السيرة العقلائية لم تنعقد على الأخذ بخبر الثقة إذا لم يكن معه وثوق وإنما هي منعقدة - وهكذا سيرة المتشرعة - على الأخذ بالخبر في حالة حصول الوثوق.
في الجواب نقول:- إنه لابد من ضبط محل كلامنا، فإنَّ محل كلامنا هو الأغراض التشريعية، يعني الأخذ بخبر الثقة في القضايا الشرعية ولإثبات القضايا الشرعية دون القضايا التكوينية، ومحل كلامنا أيضاً فيما إذا لم تحصل قرينة معاكسة لخبر الثقة - فالمأخوذ في محل كلامنا أمران الأول أنه يلزم أن يكون الغرض من الأخذ بخبر الثقة هو الاغراض التسريعية، والثاني بشرط أن لا تحصل قرينة معاكسة - فإذا عرفنا هذا فحينئذٍ نقول لا يمكن أن يستشهد على اعتبار حصول الوثوق بأنه لو اخبرك الثقة بأنك مدعو في بينت فلان ولكن بعد ذلك حصل لك نحو تشكيك من جهة من الجهات رغم إخبار الثقة وأنه هل الدعوة في هذه الليلة أو لا ففي مثل هذه الحالة قد لا تذهب مادام الموجود هو خبر ثقة فقط ولا يوجد معه وثوق، فأنت لا تذهب بسبب عدم حصول الوثوق لك.
وفي الجواب نقول: - إنَّ هذا غرض تكويني لا تشريعي، وقد يقال إنه في الأغراض التكوينية لا يُعمل بخبر الثقة مطلقاً بل لابد من حصول الوثوق، ولكن كلامنا ليس في الأغراض التكوينية وإنما هو في الاغراض التشريعية من وجوبٍ وحرمةٍ وما شاكل.
وأيضا لا يمكن الاستشهاد بما لو اخبرك شخص ثقة بأنَّ مرجع التقليد قد أفتى بهذه الفتوى المعينة فإنه في مثل هذه الحالة قد لا تأخذ بهذه الفتوى من باب أنها لو كانت صادرة حقاً لاشتهرت لأنها فتوى مهمة، وحيث لم تشتهر فسوف لا نأخذ بهذا النقل.
فإذاً كلامنا هو فيما إذا كان الغرض شرعياً وليس تكوينياً.
وهناك شيء آخر: - وهو أنه يلزم أن يكون الشخص الثقة الذي أخبر ولو عن قضية شرعية إنما يكون كلامه حجة فيما لو لم تقم قرينة معاكسة على خلاف الفتوى المذكورة، من قبيل ما لو نقل ثقةً أنَّ المرجع الفلاني افتى بحرمة العصير العنبي إذا غلا، ففي مثل هذه الحالة نقول إذا كانت حرمة العصير العنبي إذا غلا ثابتة لاشتهرت هذه الفتوى بين الناس، وأما إذا لم تشتهر أو قامت القرينة المعاكسة فلا يؤخذ حينئذٍ بمثل خبر الثقة هذا لقيام القرينة المعاكسة له، وعليه فخبر الثقة من دون حصول الوثوق حجيته ثابتة بالسيرة العقلائية شريطة عدم قيام قرينةٍ معاكسة.
ويمكن ذكر رواية لأجل اثبات حجية خبر الثقة: - وهو ما رواه الكشي عن محمد بن مسعود عن محمد بن نصير عن محمد بن عيسى عن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً عن الرضا عليه السلام: - ( قال قلت:-لا اكاد اصل إليك أسالك عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال:- نعم )[2] ، فهذه الرواية تدل على أنَّ المرتكز في ذهن السائل هو حجية خبر الثقة وإنما هو سأل عن الصغرى وهي أنَّ فلاناً هذا ثقة أو ليس بثقة والامام عليه السلام أمضى هذا الارتكاز وهذا يدل على أنَّ خبر الثقة لوحده حجة ولا يلزم حصول الوثوق.
نعم يلزم أن نفترض أنَّ هذه الرواية بالخصوص تجمع بين كلا الأمرين الثقة والوثوق ولا يكفي كونها خبر ثقة فقط، وذلك لنكتٍة خاصةٍ وهي أننا نريد أن نثبت من خلال هذه الرواية حجية خبر الثقة، فلابد وأن يكون الراوي لهذه الرواية ليس ثقة فقط بل يضاف إلى ذلك الوثوق أيضاً؛ إذ لو كان الراوي ثقة فقط من دون حصول الوثوق فهذا يلزم منه اثبات حجية خبر الثقة بخبر الثقة وهو من توقف الشيء على نفسه، وعليه فلابد وأن نفترض أنَّ الراوي لهذه الرواية ثقة مع حصول الوثوق أيضاً فيثبت بذلك حجية هذه الرواية وبها نثبت أنَّ الحجة شيئان الأول خبر الثقة والثاني الخبر الموثوق بصدوره فإنه حجة أيضاً.