46/05/28
الموضوع:- ما دل على عدم حجية خبر الاحد من السنة الشريفة - مبحث حجية خبر الواحد.
ويمكن أن نضيف وجهاً آخر لحجة خبر الثقة غير آية النبأ: - وهو ما رواه الكشي عن محمد بن مسعود عن محمد بن نصير عن محمد بن عيسى عن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً عن الرضا عليه السلام: - ( قال قلت:-لا اكاد اصل إليك أسالك عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال:- نعم )[1] ، والسؤال في الرواية كان عن الصغرى حيث قال:- ( أفيونس ثقة ...؟ ) وهذا يدل على أنَّ الكبرى هي شيء مفروغ عنه، يعني أنَّ خبر الثقة حجة من دون اشكال وإنما السؤال هو عن هذا الشخص وأنه ثقة أو لا، وعليه فهذه الرواية تدل على حجية خبر الثقة.
وبناءً على أنَّ هذه الرواية هي صحيحة السند فالاستدلال بها على كفاية الوثاقة لا يلزم منه محذور توقف الشيء على نفسه، لأنه قد يشكل ويقال: نحن نريد اثبات حجية خبر الثقة فاثبتنا حجية خبر الثقة بخبر الثقة وهذا من توقف الشيء على نفسه، وفي الجواب نقول: نحن لم نستدل بخبر الثقة على حجية خبر الثقة وإنما استدللنا بالخبر الصحيح وتمسكنا به لاثبات أنَّ رواية الثقة حجة، وعليه فلا يأتي هذا الاشكال بعدما كانت الرواية صحيحة السند.
إن قلت: - إنَّ هذه الرواية واردة في أخذ معالم الدين فتكون اجنبية عن المقام فإنَّ مقامنا هو اثبات الوثاقة وأنه كيف تثبت الوثاقة.
قلت: - إذا فرض أنَّ الوثاقة كافية في اثبات معالم الدين - يعني إذا كان سند الرواية كلهم ثقات - فبالأولى يلزم الاكتفاء بها في باب النقل والرواية.
هذا كله بالنسبة إلى الخبر الصحيح والخبر الثقة، وتصير النتيجة هي أنَّ الخبر الصحيح هو القدر المتيقن من الاعتبار، وأما خبر الثقة فهو حجة بالسيرة العقلائية غير المردوع عنها مضافاً إلى التمسك بعض الروايات.
ويقع الكلام الآن بالنسبة إلى الخبر الحسن فهل هو حجة أو لا؟
والحسن هو أن يكون كل رواة السند أو احدهم قد مدح ولكنه لم يذكر بتوثيق، فإنَّه لو كان رجال السند موثقين فيكون هذا الخبر خبر ثقة، وإذا كان اعتقاد كل الرواة في السند معتبر فهذا خبر صحيح، وإذا كان اعتقاد راوٍ منهم غير صحيح ولكنه لا يكذب فهذا يقال له خبر ثقة، وإذا كان راوي الخبر لم يذكر بتوثيق إلا أنه مدح مثل إبراهيم بن هاشم والد علي بن إبراهيم فإنه لم يرد في حقه توثيق وإنما ورد في حقه أنه نشر حديث الكوفيين في قم، وهذا يبيّن أنه كان رجلاً مقبولاً لأنه تمكن من نشر أحاديث مدرسة الكوفة في مدرسة قم المعروفة بالتشدد، فإذا كان هذا المدح موجوداً ولم يوجد في حقه توثيق فالرواية التي تشتمل على مثل إبراهيم بن هاشم يعبّر عنها بالحسنة.
والسؤال: - هل الرواية الحسنة حجة أو لا؟
أجاب العلمان السيد الخوئي والشيخ النائيني(قده): - بأنَّ الخبر الحسن حجة كالصحيح والموثّق، ولكن كل واحد منهما استدل بدليل
أما السيد الخوئي(قده) فقد استدل لذلك وقال[2] : - إنَّ السيرة قائمة على أنَّ أمر المولى إذا وصل إلى عبده من خلال شخصٍ امامي لم يظهر فسقه كما لم تظهر عدالته وإنما كان شخصاً ممدوحاً فخبره يؤخذ به.
وفي التعليق عليه نقول: - إنَّ هذا المدح تارةً يدل على التوثيق، وأخرى لا يدل عليه، فإن كان دالاً على التوثيق فحينئذٍ هذا الخبر يدخل تحت عنوان خبر الثقة لا الحسن، وإن فرض أنه لا يدل على التوثيق فهذا معناه أنَّ احتمال الكذب موجود ولا نافي له وحينئذٍ كيف يدّعى الجزم من قبل السيد الخوئي(قده) بانعقاد السيرة على العمل بخبره فإنَّ هذا أمر مشكل.
وأما الشيخ النائيني(قده)[3] فقد في دليله: - انَّ منطوق آية النبأ يدل على أنَّ الفاسق إذا جاء بالخبر لا يرفض خبره رأساً وابتداءً بل لابد من التبيّن عنه، فإن تبيّنا واتضح أنه كاذب فسوف يردَّ خبره، وإن تبيّنا وظهر المدح فسوف يؤخذ به، فإنَّ من انحاء التبيّن هو التبيّن عن حال الراوي، فإن تبيَّن حاله حسناً أخذنا بروايته فإنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ فتبينوا ﴾ وهذا الراوي قد بحثا عن حاله فوجدناه ممدوحاً وهذا نحوٌ من التبيَّن، وحينئذٍ يجوز العمل بنقله.