الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- ما دل على عدم حجية خبر الاحد من السنة الشريفة - مبحث حجية خبر الواحد.

النقطة الثالثة: - ما هو الحجة من الاخبار؟

وقبل بيان هذا المطلب نلفت النظر إلى أنه حينما شرعنا في مبحث حجية الخبر قلنا انَّ الكلام في حجية الخبر يقع ضمن ثلاث نقاط، الأولى ما استدل به على الحجية، الثانية ما استدل به على عدم الحجية، الثالثة ما هو الحجة من الاخبار، وقد انتهينا عن النقطتين والاوليين وانتهينا لها أن خبر الواحد حجة لانعقاد السيرة على ذلك مع عدم الردع، وبعدما انتهينا من الحجية في الجملة نريد أن نتكلم الآن عمّا هو الحجة من الاخبار فهل هو خبر الثقة فقط أو خبر العادل أو ماذا؟

تعرض المحقق الحلي(قده) في المعتبر إلى هذه المسألة وبيّن آراءً متعددة فيها ثم هو اختار رأياً خاصا به وهو أنَّ ما أخذ به الاصحاب هو الحجة وما أعرضوا عنه فليس بحجة، قال:- ( افرط الحشوية بالعمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكل خبر ... وقال بعض كل سليم السند يعمل به، وأفرط آخرون فأحالوا استعماله عقلاً وشرعاً[1] واقتصر آخر فلم يرَ العقل مانعاً لكن الشرع لم يأذن في العمل به، وكل هذه الاقوال منحرفة عن السنن والتوسط أصوب، فما قبله الاصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به وما اعرض الاصحاب عنه أو شذَّ يجب اطراحه لوجوه )[2] .

نقول: - إنَّ ما ذكره حوالة على أمرٍ غير منضبط لأننا كيف نعرف أنَّ الاصحاب قد عملوا بهذا الدليل أو لم يعملوا به فإنه قد يقع الاختلاف فيه، وهكذا الحال بالنسبة على القرائن القرائن.

ولأجل أن يتضح المطلب نطرح عدَّة اسئلة: -

السؤال الأول: - هل الحجة هو خصوص الخبر الصحيح أو يعم خبر الثقة أو الحسن؟، والفرق بين الثقة والحسن أنَّه في الثقة يفترض أنَّ الراوي قد وثِّق، وأما الحسن فهو الراوي الذي ورد في حقه مدح كإبراهيم بن هاشم والد علي بن إبراهيم.

السؤال الثاني: - إنه بناءً على عدم اختصاص الحجية بالخبر الصحيح هل الحجة هو خبر الثقة أو هو الخبر الموثوق به أو كلاهما؟

والفرق بين الخبر الثقة والخبر الموثوق به أنَّ خبر الثقة ما نقله الراوي الثقة، وأما الخبر الموثوق به هو ما لم نعرف وثاقة راويه ولكنَّ القرائن تساعد على تحصيل الوثوق والاطمئنان بصدوره.

السؤال الثالث: - هل ينجبر ضعف الخبر بعمل المشهور؟

السؤال الرابع: - هل اعراض المشهور عن الخبر الصحيح يسقطه عن الحجية أو لا؟

السؤال الخامس: - إذا كانت دلالة خبر الثقة ضعيفة فهل تنجبر بعمل المشهور به، وإذا كانت دلالته قوية وواضحة فهل اعراض المشهور عن الخبر يوهن تلك الدلالة أو لا؟

السؤال السادس: - هل الحجة هو خصوص الخبر الحسّي أو يعم الخبر الحدسي؟

السؤال السابع: - هل أحبار الكتب الأربعة مقطوعة الصدور، أو مقطوعة الاعتبار، أو عدم اعتبار الاثنين معاً كما هي سيرتنا الموجودة في زماننا فإننا ندقق في أسانيد جميعها فهي لا مقطوعة الصدور ولا مقطوعة الاعتبار بل لابد من البحث عن الصدور؟

أما السؤال الأول ففي الجواب عنه نقول: - أما الخبر الصحيح - الذي جميع رواته ثقات اماميين - فهو القدر المتيقن من دليل الحجية، وأما خبر الثقة - الذي سنده كلهم ثقات ولكن بعضهم ليس امامياً كما لو كان فطحياً مثلاً أو ما شاكل - فهو حجة أيضاً، والدليل على حجيته السيرة فإنها منعقدة على الاخذ به، فكل ثقة يعمل بخبره مادام قد ثبت أنه ثقة.

إلا أن يقال: - إنَّ هذه السيرة وإن كانت منعقدة على العمل بخبر الثقة ولكنها مردوع عنها بآية النبأ حيث قالت ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ أي إذا جاءكم غير العادل فالآية الكريمة فيها دلالة على أنَّ خبر الفاسق لا يجوز الأخذ به، فإذا كان الراوي فطحي المذهب مثلاً فهذا معناه أنه فاسق لأنه لا يقبل بإمامة بعض الائمة عليهم السلام، وعليه فتكون هذه السيرة مردوع عنها بمنطوق آية النبأ.

وفي الجواب يقال:- إنَّ المقصود من الفاسق في الآية الكريمة هو غير الثقة لا من كان يستغيب الناس مثلاً إلا أنه ثقة، فالمقصود من الفاسق هو غير الثقة وأما الثقة فغير مشمول لكلمة الفاسق الواردة في الآية الكريمة، والوجوه في ذلك هو مناسبات الحكم والموضوع، يعني أنت تريد أن تأخذ بالخبر والمهم في الأخذ بالخبر أن يكون الناقل له غير كاذب أما أنه فاسق من بعض جهاتٍ اخرى كما لو كان يستغيب الناس أو ما شاكل ذلك فالمستغيب ليس بكاذب في تقله وإنما هو صادق، ومادام لا يكذب فهو ثقة بقرينة مناسبات الحكم والموضو


[1] وهو قول ابن قبة.
[2] المعتبر في شرح المختصر، المحقق الحلي، ج1، ص29.