الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الاستدلال بالأخبار على حجية خبر الواحد - مبحث حجية خبر الواحد.

وقد تقول: - هل يمكن الالتزام بفكرة التخصيص؟، وهو أن نقول: إنَّ أدلة حجية الخبر الثلاثة المتقدمة - التي هي آية النبأ والروايات وسيرة العقلاء - هي مخصِّصة للآيتين الكريمتين اللتين استدل بهما على عدم حجية خبر الثقة وبذلك يصير هذا جوابا رابعاً عن الآيتين الكريمتين، وعلى هذا تصير نتيجة التخصيص هي أنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً إلا إذا جاءكم غير الفاسق بنبأ، فيدل على الحجية؟

وفي الجواب نقول: - إنَّ بعض تلك الأدلة الثلاث على حجية خبر الواحد يصلح للتخصيص وأما بعضها الآخر فلا يصلح لذلك.

أما الذي يصلح للتخصيص: - فهو آية النبأ، فإنَّ مفهومها يدل على حجية خبر غير الفاسق - الثقة - فتكون مخصِّصاً لعموم قوله تعالى ﴿ إنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً ﴾ ويصير المعنى إن الظن لا يغني من الحق شيئاً إلا إذا كان ذلك الظن حاصلاً من خبر الثقة - غير الفاسق -.

وكذلك الروايات الدالة على حجية خبر الثقة فإنها تصلح أيضاً للتخصيص مثل ( احتفظوا بكتبكم ... ) أو ( العمري وابنه ثقتان فما اديا عني فعني يؤديان )، فنجعل الروايات التي بهذا المضمون مخصِّصة لهذه الآيات ويصير المعنى إنَّ الظنَّ لا يغني من الحق شيئاً إلا أخبار الثقة، فتصير الروايات مقيِّدة للآية الكريمة.

وأما ما لا يصلح للتخصيص: - فهو السيرة، فإنَّ السيرة إذا كانت عقلائية فهي تحتاج إلى الامضاء الشرعي، والآية الكريمة التي تقول ﴿ إنَّ الظن لا يعني من الحق شيئاً ﴾ تكون رادعة عن هذه السيرة، فلا تكون حجة حتى يمكن تخصيص الآيتين الكريمتين بها.

وقد اجيب عن ذلك بأجوبة أخرى غير ما ذكرناه: -

الجواب الأول: - ما ذكره الشيخ النائيني[1] والسيد الخوئي[2] من أنَّ السيرة هي حاكمة على الآيات الكريمة، لأنَّ السيرة على العمل بالخبر تجعل الخبر وتصيّره علماًن فإذا صيّرته علماً فحينئذٍ لا مانع من أن تصير مخصِّصة للآيتين الناهيتين عن العمل بالظن؛ إذ هي تنهى عن الظن وأما العمل بالخبر بعد انعقاد السيرة عليه لا يكون عملاً بغير علم؛ إذ المفروض وجود دليلٍ على الحجية وهو السيرة، وعلى هذا الأساس يصير الخبر علماً فيجوز حينئذٍ الأخذ به، والسيرة هي التي تكون مخصِّصة للآيات الكريمة.ويظهر هذا الرأي من الشيخ العراقي أيضاً نهاية الأفكار[3] ، بل ربما يظهر من الشيخ الخراساني كفاية الأصول[4] حيث قال:- ( المنصرف إليه اطلاقها هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة )، يعني والمفروض في مقامنا أنَّ الحجة - وهي السيرة - قد قامت على حجية الخبر، فمادام قد قامت على ذلك فتكون حجة، وعلى هذا الاساس يصير العمل بخبر الثقة حجة وبالتالي تصير السيرة مخصِّصةً للآيات الكريمة الناهية عن الظن.

ويرده: -

أولاً: - إنَّ السيرة إنما تكون مخصِّصةً وحاكمةً فيما إذا كانت حجة، والحجية إنما تثبت لهذه السبرة فيما إذا جُزِم بعدم الردع، والمفروض أنَّ الآيتين الكريمتين صالحتان لشمول مثل هذه السيرة، وحينئذٍ لا جزم بعدم الردع، وعليه فنحن لا نجزم بحجية هذه السيرة حتى تكون مخصِّصةً للآيتين الكريمتين.


[1] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج3، ص201.
[2] مصباح الأصول( مباحث الفاظ- مكتبة الداوري)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص233.
[3] نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج3، ص138.
[4] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج، ص303.