الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الاستدلال بالأخبار على حجية خبر الواحد - مبحث حجية خبر الواحد.

الاستدلال على عدم حجية خبر الواحد: -

قد استدل على عدم حجية خبر الواحد بعدة ادلة، فتارة استدل على ذلك بالكتاب الكريم وأخرى بالسنَّة الشريفة.

أما الكتاب الكريم: - قد استدل بعدة آيات نذكر منها اثنتين: -

الاولى: - قوله تعالى:- ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾[1] .

الثانية: - ﴿ إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ﴾[2] .

بتقريب: - إنَّ خبر الواحد يفيد الظن لا العلم والمفروض أن الآيتين الكريمتين تنهيان عن غير العلم، فيثبت بذلك الردع عن العمل بخبر الواحد.

ويرد على ذلك: -

أولاً: - إنَّ بعض الآيات الكريمة وارد في مجال العقائد، ففي مجال العقائد لا يجوز ابتاع الظن، وهذا خارج عن محل كلامنا، لأننا حينما نتكلم في حجية الخبر نريد بذلك اثبات الاحكام الشرعية وليس اثبات الأمور العقائدية، كما أنَّ بعض الآيات الكريمة ناظر على بيان مطلب عقلائي أو أخلاقي أو ما شاكل ذلك.

ومثال الأول:- قوله تعالى: ﴿ إنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً ﴾ فإنها واردة في مجال العقائد ولا تشمل باب الفروع والاحكام الشرعية، وهذا المعنى نعرفه إذا قرأنا الآية الكريمة وما يتصل بها من مقارنات، فإذا قرأناها مع مقارناتها نجدها تقول:- ﴿ قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون، قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أحق أن يتبع أمن لا يهدِّي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون، وما يتبع اكثرهم إلا ظناً إنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً إنَّ الله عليم بما يفعلون ﴾[3] ، فهي ناظرة إلى اتباع الظن في مجال العقائد وتردّ عليه، وعليه تكون خارجه عن محل كلامنا ولا يصح الاستشهاد بها في المقام.

ومثال الثاني: - قوله تعالى: ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾ فإنها ناظرة إلى مطلب عقلائي وأنه لا يناسب العاقل أن يتبع ما ليس له به علم، وهذا كنايه عن عدم الحجية، أي لا تتبع غير الحجة وإلا فالعلم لا خصوصية له، وحيث إنَّ خبر الثقة قد قام الدليل القطعي على حجيته - بالأدلة المتقدمة - فهو إذاً حجة شرعية وعقلائية ومن ابتعه يكون متّبعاً للحجة ولا يكون مشمولاً للآية الكريمة.

ثانياً: - إنَّ قوة الردع لابد وأن تتناسب مع قوة المردوع، وحيث إنَّ السيرة العقلائية المنعقدة على العمل بخبر الثقة قوية جداً وامور العقلاء جارية على العمل بخير الثقة فيحتاج ذلك إلى ردعٍ قوي ولا يكفي النهي بعموم من العمومات من قبيل ﴿ ولا تقف ما ليس لك بعلم ﴾ أو ﴿ إنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً ﴾ بل لابد وأن يكون الرادع ناظراً إلى نفس الشيء بخصوصه، فإذا كان كلامنا في خبر الواحد الثقة فيلزم أن يأتي النهي عنه بالخصوص لا أنه يأتي نهي بالعموم فإنَّ قوة الردع لابد وأن تتناسب مع قوة المردوع.

ثالثاً: - إنَّ هذه الآيات الكريمة كانت بمرأى ومسمع من أصحاب الائمة إلى زمان الامام العسكري عليه السلام ورغم ذلك كانوا يعملون بخبر الثقة، وهذا أكبر شاهد على أنَّ هذه الآيات ليست صالحة للردع وإلا لارتدعوا بسببها عن العمل بخبر الثقة والحال أنَّ سيرتهم جارية على العكس.

وقد وتقول: - هل يمكن التمسك بفكرة التخصيص بأن نقول إنَّ ما دل على حجية خبر الثقة هو بنفسه يصلح لتقييد وتخصيص عموم هاتين الآيتين الكريمتين وما شاكلهما وبذلك يكون هذا جواباً رابعاً عن الآيتين الكريمتين؟


[1] الإسراء/السورة17، الآية36.
[2] يونس/السورة10، الآية36.
[3] يونس/السورة10، الآية34- 36.