46/05/07
الموضوع:- الاستدلال بالأخبار على حجية خبر الواحد - مبحث حجية خبر الواحد.
ذكرنا أنه قد توجد رواية واحدة فيها مميزات خاصة يمكن من خلالها اثبات حجية خبر الواحد من قبيل رواية عبد الله بن جعفر الحميري المتقدمة، فإذا وجدت مثل هذه الرواية واطمئننا بصدورها فهي خبر واحد ولكن يثبت به حجية جميع اخبار الثقات - أي يثبت بها حجية خبر الثقة بشكلٍ عام رغم كونها رواية واحدة - فإنه بعد الاطمئنان - أو الجزم -–بصدورها - للقرائن الموجودة فيها -–هي قد حكمت بحجية خبر الثقة حيث قالت:- ( فاسمع له واطع فإنه الثقة المأمون ) وهذا يدل على أنَّ كل ثقة اسمع له يعني اقبل الرواية منه ولا تتوقف في روايته فيثبت بذلك أنَّ كل خبر ثقة حجة لأنَّ الامام عليه السلام حكم بأنه يلزم أن نسمع له لأنه ثقة، وعليه فسوف يثبت أنَّ كل خبر ثقة هو حجة لأجل هذه الرواية، وعليه فلا نحتاج إلى روايات كثيرة بل تكفي هذه الرواية لإثبات المطلوب لأجل وجود خصوصياتٍ فيها اثبتت ذلك.
ولكن نقول: - قد يتأمل في تمامية هذه المحاولة، فإنَّ الرواية لم تقل ( هو ثقة ) حتى تثبت حجية مطلق خبر الثقة وإنما قالت ( فإنه الثقة ) ثم اضافت وقالت ( المأمون ) وهذا اقصى ما يثبت به هو حجية خبر الثقة الذي يكون بالدرجة العالية جداً من الوثاقة، وعليه فلا يمكن استفادة حجية خبر كل ثقة منها بشكلٍ مطلق بعد كون هذا الثقة في أعلى درجات الوثاقة.
الدليل الثالث: - السبرة.
وهي على قسمين، سيرة عقلائية، وسيرة متشرعة.
أما السيرة العقلائية: - فقد جرت سيرة العقلاء كما نعرف في قضاياهم الخاصة على العمل بخبر الثقة، وحيث لا ردع عنها فيثبت بذلك الامضاء.
إن قلت: - صحيح أنَّ سيرة العقلاء جرت على العمل بخبر الثقة ولكن ذلك حاصل في القضايا العرفية التي بيننا كوجود الدرس أو مجيء شخص من السفر أو ما شاكل ذلك إلا أنَّ كلامنا هو في المجال الشرعي - في نقل الروايات والاحكام - وأنه هل خبر الثقة حجة هنا أو لا فهنا قد يقال إنَّ هذه السيرة لا تنفع في المقام لأنها جارية في الأمور العادية لا الشرعية.
قلت: - يحتمل سريان هذه السيرة إلى الاحكام الشرعية - يعني للعمل بخبر الثقة حتى في الاحكام الشرعية - وحينئذٍ لابد للشرع المقدس أن يردع عنها خوفاً من سرايتها إلى المجال الشرعي، فسكوت الامام عليه السلام عنها وعدم الردع يدل على امضائها حتى في المجال الشرعي.
وأما سيرة المتشرعة فقد يقال: - إنَّ المتشرعة في عهد الائمة المتأخرين كالإمام الهادي والعسكري عليهما السلام وصلتهم روايات ونصوص كثيرة من الائمة السابقين وسيرتهم كانت على العمل بهذه الروايات وهذا يدل على أنَّ سيرة المتشرعة أيضاً منعقدة على العمل بخبر الثقة.
وفي الجواب نقول:- صحيح أنهم كانوا يعملون بتلك الاخبار التي وصلتهم من الائمة السابقين ولكن لعلهم عملوا بها بما هم عقلاء لا بما هم متشرعة، وعليه فلا تثبت عندنا سيرة متشرعية إلى جنب سيرة العقلاء يكون ضم سيرة المتشرعة إلى جنب سيرة العقلاء عادةً ليس بصحيح، لأنه مادامت توجد سيرة عقلائية فحينئذٍ يحتمل أن يكون عمل المتشرعة هو من باب أنهم عقلاء لا من باب أنهم متشرعة، وعلى هذا الأساس الثابت هو السيرة العقلائية وليست السيرة المتشرعية، ولكن سيرة العقلاء إنما تكون حجة فيما إذا كانت ممضاة من خلال عدم الردع، بينما إذا كانت سيرة متشرعة فلا نحتاج معها إلى عدم الردع فإنها سيرة متشرعة وهي تقف أمام الردع وتجعله ناظراً على أمورً أخرى، ولكن بما أنَّ هذه سيرة عقلائية ففقد تكون العمومات رادعة عنها وعليه فلا يجوز العمل بما تقتضيه هاتين السيرتين.