46/05/06
الموضوع:- الاستدلال بالأخبار على حجية خبر الواحد - مبحث حجية خبر الواحد.
الطائفة الرابعة: - ما دل على لزوم الاخذ بالمخالف أو الموافق من الخبرين المتعارضين، فقد دلت الروايات على الاخذ بالموفق للكتاب الكريم أو المخالف للعامة.
من قبيل: - ما رواه محمد بن عبد الله قال: - ( قلت للرضا عليه السلام كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟ فقال: - إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه وانظروا إلى ما يوافق اخبارهم فدعوه )[1] .
فهذه الطائفة قد يتمسك بها لإثبات حجية الخبر، فإنه إذا لم يكن خبر الاحاد حجة فلا معنى للترجيح حينئذٍ، بل لو كان خبر الواحد ليس بحجة في نفسه فمن المناسب أن يأمر الامام عليه السلام بطرحه وردّه لا أنه يذكر مرجحاتٍ لأخذ أحدهما وطرح الآخر، فذكره للمرجحات يدل على أنَّ خبر الواحد حجة.
والجواب: - من المحتمل - ويكفينا الاحتمال - أن يكون نظر هذه الطائفة إلى الخبر الذي يقطع بصدوره، فإذا جاءنا خبران نقطع بصدورها ولكن أحدهما موافق للعامة والآخر مخالف لهم فهذه الطائفة تبين العلاج، وعليه فلا نتمكن أن نقول إنَّ هذه الطائفة لها إطلاقٌ يشمل مطلق الخبر ولو غير القطعي فيكون التمسك بها في المقام أمرٌ مشكل.
وبهذا اتضح من خلال ما ذكرنا أنَّ جميع هذه الطوائف يشكل التمسك بها لإثبات حجية خبر الثقة.
أجل أوجه ما يمكن التمسك به هو ما دل على الترجيح بالأوثقية: -
من قبيل: - مرفوعة زرارة قال:- ( ... خذ بأعدلهما عندك واوثقهما في نفسك )[2] ، فالمدار جعله الامام عليه السلام على الرواية التي يرويها الأوثق عنده وهذا معناه أنَّ خبر الثقة حجة.
ولو قيل: - إنَّ هذه الرواية مرفوعة فلا تصلح كدليل، قلنا: - لا يبعد أنَّ زرارة يرويها عن الامام عليه السلام لا عن غيره.
كما أنَّ محل الكلام فيها ليس مقطوع الصدور فإنه إذا كان مقطوع الصدور فلا معنى للترجيح بالأوثقية فإنه مقطوع الصدور وعليه فمادامت قد رجحت بالأوثقية فهذا يدل على أنها ناظرة إلى الخبر الظني، فإذا كانت عندنا هذه الطائفة وكانت تشتمل على مجموعة من روايات فحينئذٍ لا بأس في دلالتها على المطلوب.
ومن قبيل بالأخبار التي يردّ فيها الامام عليه السلام إلى أشخاصٍ معينين إذا رووا عنهم عليهم السلام وذلك لنكتة الوثاقة:- مثل ما رواه عبد العزيز عن المهتدي وعلي بن يقطين عن الرضا عليه السلام جميعاً قال: - (لا اكاد أصل إليك اسألك عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني ، فقال:- نعم)[3] .
فهاتان الروايتان لا بأس بدلالتهما على المطلوب، ولكن المقدار الموجود من هذه الروايات ليس كثيراً حتى يشكل التواتر الموجب للقطع.
قضية ظريفة: - قد يمكن من خلال بعض أخبار الاحاد اثبات حجية خبر الآحاد لميزةٍ فيه، فلميزةٍ فيه يوجب القطع أو الاطمئنان بحجية خبر الثقة، من قبيل ما رواه الكليني عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى عن عبد الله بن جعفر الحميري قال:- ( اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو[4] رحمه الله عن احمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن اسحاق أن اسأله عن الخلف، فقلت له:- يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شيء وما أنا شاك فيما أريد أن اسألك عنه فإنَّ اعتقادي وديني أنَّ الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة فلم يك ينفع نفساً ايمانها إن لم تكن آمنت من قبل أن كسبت في ايمانها خيراً فأولئك اشرار من خلق الله عزَّ وجل وهم الذين تقوم عليهم الساعة ولكني أحببت أن ازداد يقيناً وإنَّ إبراهيم عليه السلام سأل ربه عزَّ وجل أن يريه كيف يحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن فلبي وقد اخبرني أبو علي احمد بن إسحاق عن أبي الحسن قال:- سألته وقلت من اعامل أو عمن آخذ أو قول من آخذ؟ فقال: - العمري ثقتي فما أدى إليك عني يؤدي وما قالا لك عني فعني يقول فاسمع له واطع فإنه الثقة المأمون، وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد عن مثل ذلك فقال له العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك عني فعني يقولان فاسمع لهما واطعهما فإنهما الثقتان المأمونان فهذا قولين امامين قد مضيا فيك، قال: - فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال: - سل حاجتك؟ فقلت له: - انت رأيت الخلف من بعد أبي محمد عليه السلام؟ فقال:- أي والله ورقبته مثل ذا وأمأ بيده، فقلت له:- بقيت واحدة، فقال:- هات، فقلت:- فالاسم؟ قال:- محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي فليس لي أن احلّل ولا احرّم ولكن عنه عليه السلام فإنَّ الأمر عند السلطان أنَّ أبا محمدٍ مضى ولم يخلِّف ولداً وقسّم ميراثه وأخذه من لا حقَّ له فيه وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرَّف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك )[5] .