الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الاستدلال بالأخبار على حجية الخبر - مبحث حجية خبر الواحد.

قضية يجدر الالتفات إليها: - هناك قضية لا بأس بالالتفات إليها، وهي أنه قد يستدل على حجية الخبر الواحد ببعض الطوائف من الروايات التي قد يتأمل في دلالة بعضها: -

الطائفة الاولى:- ما دل على الارجاع إلى اشخاصٍ معينين من دون تعليل الارجاع بالوثاقة.

من قبيل:- ما رواه يونس بن يعقوب قال:- ( كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال أما لكم من مفزع أما لكم من مستراح تستريحون إليه ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري )[1] .

ومن قبيل:- ما رواه المفصل بن عمر من أنَّ أبا عبد الله عليه السلام قال للفيض بن المختار :- ( إذا اردت حديثاً فعليك بهذا الجالس وأومأ إلى زرارة )[2] .

فقد استدل بهاتين الرواييتن وبما ماثلهما على حجية خبر الواحد الثقة

ولكن يمكن أن يشكل على ذلك:- بأنَّ الامام عليه السلام وإن ارجع إلى الحارث بن المغيرة وإلى زرارة وهما ثقتان ولكن هذا لا يدل على حجية خبر مطلق الثقة؛ إذ لعل الحارث وزرارة في الدرحة العالية من الوثاقة، وعليه فلا يمكن أن نستكشف من الارجاع إليهما أنَّ مطلق الوثاقة وإن لم تكن بالدرجة العليا تكفي لحجية الخبر.

الطائفة الثانية:- ما دل على الارجاع إلى عنوان ( ثقاتنا ).

من قبيل:- ( لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفواب أنا نفاوضهم سرنا .. )[3] .

ولكن يمكن أن قال:- إنَّ عنوان ( ثقة ) غير عنوان ( ثقاتنا ) فإنَّ تعبير ( من ثقاتنا ) يدل على وجود مزيّة زائدة في هذا الشخص وهذا مثل أن نقول ( فلان صاحبنا أو صاحبي ) فننسبه إلينا، وهنا الامام عليه السلام قال ( فيما يرويه عنا ثقاتنا ) فنسبهم إليه، وخصوصاً أنه قال بعد ذلك ( نفاوضهم سرّنا ) وهذا التعبير لا يمكن أن نستكشف منه حجية خبر مطلق الثقة لأنه قد يكون هذا الشخص فيه مزية زائدة ولذلك الامام عليه السلام نسبة إلى نفسه.

الطائفة الثاثلة:- ما دل على الحث على حفظ الحديث كتابته وضبطه وهذا يدل على أنَّ نقل الثقة حجة وإلا فالتشجيع على ضبط الحديث وكتابته لا يكون هناك داعٍ إليه.

من قبيل:- ما رواه أبو بصير قال:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا )[4] .

ومن قبيل:- ما رواه عبيد بن زرارة قال:- ( قال أبو عبد عبد الله عليه السلام احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها )[5] .

فقد يقال إنَّ الأمر بالتدوين والضبط يدل على أنَّ الاحاديث حجة وإلا إذا كان نقلها ليس بحجة فلا فائدة من الاحتفاظ بالكتب الحديثية.

ومن قبيل:- ما جاء في خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الخيف:- ( نظر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلّغها من لم تبلغه ... )[6] .

فهذه الطائفة يمكن أن يقال يمكن أن يستدل بها على حجية خبر الثقة وإلا فلا داعي إلى النقل للأخبار.

الطائفة الرابعة:- ما دل على لزوم الاخذ بالمخالف أو الموافق من الخبرين التعارضين.

من قبيل:- ما رواه محمد بن عبد الله:- ( قلت للرضا عليه السلام:- ماذا نصنع بالخبرين المختلفين؟ قال:- إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه وانظروا إلى ما يوافق اخبارهم فذروه )[7] .

وفي مقام التعيلق نقول:- من المحتمل أن يكون نظر هذه الطائفة على الى خصوص الخبرين المقطوع بصدورهما وأنه ماذا نصنع بعد تعارضهما مثلاً، وعليه فلا تدل على أنَّ خبر الثقة حجة.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص145، أبواب صفات القاضي، باب11، ح24، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص143، أبواب صفات القاضي، باب11، ح19، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص143، أبواب صفات القاضي، باب11، ح40، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص81، أبواب صفات القاضي، باب8، ح16، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص81، أبواب صفات القاضي، باب8، ح17، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص81، أبواب صفات القاضي، باب8، ح44، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص119، أبواب صفات القاضي، باب9، ح34، ط آل البيت.