الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الاستدلال بالأخبار على حجية الخبر - مبحث حجية خبر الواحد.

الاشكال الثاني: - ما ذكره الشيخ النائيني(قده) في اجود التقريرات، وحاصله:- إنَّه لا وجه للقطع بصدق واحدٍ من هذه الاخبار بعد أن كان احتمال الكذب موجوداً في كل واحدٍ واحدٍ منها، قال:- ( لا وجه لحصول القطع بصدق واحدٍ منها بعد جواز كذب كل واحدٍ منها في حدّ نفسه )[1] .

والجواب:- إنَّ ما ذكره غريب، فليس مقصودنا هو ملاحظة كل واحدٍ من الاخبار لوحده وبانفراده فإنه لو كان الأمر كذلك فما ذكره صحيح فأنه لا قطع باعتباره ويكون الاستدلال به على حجية مطلق خبر الثقة دورٌ واضح، بل مقصودنا هو أنه يستدل بالمجموع من حيث هو مجموع، فهذه مجموعة روايات تدل على حجية خبر الثقة، فنحن حينما نقول نتمسك بالأخبار لا نقصد أننا نتمسك بهذا الخبر وحده أو بذاك الخبر لوحده لاثبات حجية خبر الثقة وإنما نحن نتمسك بمجموع الاخبار بحيث يحصل لنا الاطمئنان والوثوق بصدورها من معدن العصمة والطهارة، وإلا إذا كان يلاحظ كل واحد من الاخبار بانفراده واستقلاله فسوف يرد هذا الاشكال حتى على التواتر اللفظي، فإنه في باب الواتر اللفظي التواتر اللفظي يورث القطع بينهما على رأي الشيخ النائيني إذا أخذنا كل واحدٍ من هذه الاخبار على حدةٍ فسوف لا يورث لنا القطع، وعليه فيلزم أن لا يورث التواتر اللفظي القطع والحال أنَّ هذا باطل.

الجواب الثالث:- ما ذكره السيد الشهيد(قده)[2] في الحلقة الثالثة، وهو ليس رداً على الشيخ الخراساني(قده) - كما حاول العلمان - وإنما هو دعمٌ لفكرة الشيخ الخراساني(قده)، وحاصله:- إنه مثلاً لو أخذنا وبنحوٍ عشوائي مائة رواية من كتاب البحار فهنا يكون احتمال كذبها جميعاً ضعيف ولكن هذا الاحتمال لا يرقى إلى مستوى الاطمئنان بحيث يحصل اليقين بصدق واحدةٍ منها وإنما غاية ما يحصل من هذا الاخذ العشوائي الاطمئنان بعدم كذبها جميعاً وإنما يحصل الاطمئنان بصدق واحدٍ منها من دون أن يحصل يقين بذلك، وسبب عدم حصول اليقين بكذب كل هذه المجموعة من الاخبار وحصول الاطمئنان بصدق واحدٍ منها هو أننا نقطع بوجود مائة رواية على الاقل في كتاب البحار هي كاذبة جزماً لا أنَّ كلها صادقة، وبالتالي نحتمل انطباق تلك الروايات المائة الكاذبة على هذه المائة التي أخذناها عشوائياً؛ إذ لو لم ينطبق عليها ولا على أيّ مائة عشوائية أخرى فسوف تبقى تلك المائة الكاذبة من دون مصداقٍ وهو أمر غير محتمل.

فغاية ما يحصل هو الاطمئنان بأنَّ واحداً من هذه المائة صادق وليست بمجموعها كاذبة لأجل هذه النكتة التي أشرنا إليها - وهي أنه في البحار حتماً توجد مائة كاذبة ويحتمل أنها منطبقة على هذه المائة العشوائية - وبهذا يوافق السيد السهيد صاحب الكفاية.

وبكلمة أخرى نتمكن أن نقول: - إنَّ السيد الشهيد يوافق الشيخ الخراساني على ما افاده في التواتر الإجمالي من الجزم بأنَّ واحداً من المائة هو صادق ولكن بنحو الاطمئنان، فهو جزم اطمئناني لا بنحو اليقين، لأننا بالتالي نعلم بوجود مائة رواية كاذبة في البحار ونحتمل انطباقها على هذه المائة التي اخترناها. وعليه فهو يوافق صاحب الكفاية ولكن بهذا البيان الظريف.


[1] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج3، ص197.
[2] دروس في علم الأصول؛ الحلقة الثالثة - ط مجمع الفكر، الصدر، السيد محمد باقر، ج1، ص205.