الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الاستدلال بالاخبار على حجية خبر الواحد - مبحث حجية خبر الواحد.

كان كلامنا في الدليل على حجية الاخبار وذكرنا الدليل على الحجية من الكتاب الكريم، ثم انتقلنا إلى التمسك بنفس الاخبار لاثبات حجية الخبر ونقلنا جملة من طوائف الاخبار، والاشكال الذي يرد على التمسك بالاخبار لاثبات حجية الاخبار بأنَّ هذا استدلال بالشيء على نفسه وهو لا يجوز، وقلنا إنه لأجل الفرار والتخلص من هذا الاشكال لابد وأن نفترض أنَّ الأخبار المستدل بها على حجية خبر الواحد هي أخبار متواترة حتى يصير استدلال بها على حجية اخبار الآحاد تاماً.

وقد يشكل على هذا:- بأنَّ المتواتر لا ينفع أيضاً؛ لأنّ الأخبار المتواترة هي عادةً لا يكون لفظها واحداً وإنما بعضها يدل على حجية الخبر وبعضها الثاني يدل أيضاً على حجية الخبر ولكن ألفاظهما مختلفة بشكل وآخر، وحينئذ لا يصح التمسك بهذه الاخبار بعنوان أنها متواترة لأنَّ ألفاظها مختلفة.

وفي مقام الجواب قد يقال:- نحن نتمسك بفكرة التواتر الاجمالي لا التواتر اللفظي، وقد صار إلأى ذلك صاحب الكفاية(قده).

وقبل أن نتكلم مع صاحب الكفاية(قده) نقول:- إنَّ التواتر الاجمالي لا يثبت لنا الخبر الحجة ما هو، فلا تعيين للخبر من خلال التواتر الاجمالي، وعليه فلا نستطيع أن نعرف الخبر الصادر من الامام عليه السلام، فنحن لا ندري أيّ خبرٍ هو حجة، فنحن إذا لم نعلم بكون الصادر من الامام عليه السلام أي خبر هو فبأي خبر نتمسك ونلاحظ مضمونه ونثبت حجية الخبر على طبق مضمونه؟! فإننا إذا لم ندر أي الأخبار من هذه الاخبار هو الصادر من الامام عليه السلام والتي مضامينها قد تكون مختلفة فبالتالي لا يمكن التمسك بها لاثبات حجية الخبر لأنها قد لا تكون متفقة في المضمون؛ إذ في باب التواتر الاجمالي لا يشترط الاتفاق في المضمون وإنما نحن نعلم بصدور بعض هذه الاخبار من الامام عليه السلام ولكن هذا البعض هل هو الخبر الأول فالنتيجة سوف تكون شيئاً، وإذا كان هو الخبر الثاني فالنتيجة سوف تكون شيئاً آخر، وإذا كان هو الخبر الثالث فالنتيجة سوف تكون ثالثة... وهكذا، وعلى هذا الأساس سوف لا يتعيَّن بالتواتر الاجمالي الخبر الصادر من الامام عليه السلام، وبالتالي لا يمكن التمسك بهذا التواتر الاجمالي لعدم المعرفة بالصادر من الامام عليه السلام وبالتالي سوف لا نعرف الخبر الحجة ما هو، فإن كان الصادر من الامام عليه السلام هو هذا الخبر والذي دل على كون خبر العدل هو حجة فيكون خبر العادل هو الحجة حينئذٍ، وإذا كان الصادر من الامام عليه السلام هو حجية خبر الثقة فتصير النتيجة هي حجية خبر الثقة، ففي باب التواتر الاجمالي تختلف النتيجة، وعليه فلا ينفعنا هذا التواتر في المقام.

ولأجل هذا الاشكال قال الشيخ الخراساني(قده):- إنه في باب التواتر الاجمالي لا تثبت الحجية لخبرٍ بعينه كخبر الثقة مثلاً بل لعلَّ الحجة هو خبر العادل أو الخبر الصحيح لا خبر الثقة، وإنما الذي يثبت بالتواتر الاجمالي هو القدر المتيقن وهو خبر العادل الامامي الثقة الـى غير ذلك من الاوصاف، فالذي تثبت حجيته هو القدر المتيقن، فإذا عثرنا على القدر المتيقن – وهو الخبر الجامع للاوصاف - من بين الاخبار وكان مدلوله واسعاً - يعني كان مدلوله هو حجية خبر الثقة - فحينئذٍ سوف يثبت حجية خبر مطلق الثقة من خلال التواتر الاجمالي بهذه الطريقة.

وقد اشكل على هذه الطريقة بعدة اشكالات:-

الاشكال الاول:- ما ذكره السيد الخميني(قده) في نهذيب الاصول[1] ، وحاصله: إنَّ وجود القدر المتيقن هنا مجرد فرض، فإنَّ القدر المتيقن هو الحاكي عن الامام عليه السلام مباشرة - أي من دون واسطة - وكان الراوي مثل زرارة ومحمد بن مسلم فإنَّ هذا هو القدر المتيقن، ومعلومٌ أنه لا يوجد خبر بهذه الأوصاف بحيث يكون الراوي حاكياً عن الامام عليه السلام بالمباشرة وليس بالنقل، وغير هذا الخبر ليس قدراً متيقناً، والمفروض أننا لا يوجد عندنا التقاء بالامام عليه السلام حتى يعيَن لنا الخبر.

ويرده:- إنه لا يلزم أن يكون القدر المتيقن بهذا الشكل، بل الاخبار التي بأيدينا - كما ذكر الشيخ الخراساني(قده) - أيضاً يوجد فيها قدر متيقن ولا نحتمل أنَّ كل هذه الاخبار كاذبة، فإذا وجدنا في كتاب وسائل الشيعة مثلاً خبر المفروض أنه منقولٌ من كتابٍ معتبرٍ والراوي له معتبرٌ أيضاً وكان كامل الاوصاف موجودة فيه - بأن كان الراوي كان امامياً عادلاً ثقةً مأموناً وغير ذلك من الاوصاف - ففي مثل هذه الحالة يكون هذا الخبر قدراً متيقاً، فنذهب إلى كتاب الوسائل مثلاً فإذا وجدنا فيه روايةً بهذه الاوصاف وتنقل عن الامام عيله السلام أنَّ الخبر لا يلزم أن يكون جامعاً لهذه الاوصاف وإنما خبر الثقة كافٍ في الحجبة فحينئذٍ صار هذا تمسكاً بالأخبار القطيعة لاثبات حجية خبر الواحد، وهذه طريقة لا بأس بها، فكما أنَّ الطريقة التي ذكرها السيد الخميني(قده) لا بأس بها إلا أنَّ ما ذكره لا ينفي ما ذكره الشيخ الخراساني(قدخ) وهو أنه إذا حصّلنا خبراً بالاوصاف الكاملة الموجبة لليقين ودل على حجية خبر الثقة كفى ذلك في اثبات حجية مطلق خبر الثقة.


[1] تهذيب الاصول - ط جماعة المدرسين، السبحاني، الشيخ جعفر؛ تقرير بحث السيد روح الله الخميني، ج2، ص199.