46/04/25
الموضوع:- ما استدل به على عدم حجية خبر الواحد - مبحث حجية خبر الواحد.
الاعتراض الثالث:- وحاصله إنَّه بناء على دلالة الآية الكريمة على حجية خبر العادل بالمفهوم يلزم تخصيص المورد، وذلك أنَّ مورد الآية الكريمة هو أنَّ الوليد أخبر بارتداد بني المصطلق - هكذا يقال - فنزلت الآية الكريمة وقالت إن جاءكم فاسق - يعني هذا الوليد - بنبأ فتبينوا، ومفهومها إنه إذا لم يجئكم الفاسق وجاءكم العادل بالنبأ فلا تتبينوا، والحال أنَّ هذا لا يمكن قبوله فإنَّ الارتداد لا يثبت بشهادة واحدٍ بل لابد من شاهدين عادلين على الأقل، فيلزم من ذلك تخصيص المورد وخروجه من مفهوم الآية الكريمة فإنَّ الارتداد لا يثبت بشهادة عادل واحد بل يحتاج إلى شهادة عادلين، وبالتالي هذا قد يصير سبباً إلى أن نرفع اليد عن المفهوم في الآية الكريمة رأساً ونقول لا مفهوم لها وإلا يلزم التخصيص المستهجن، فلأجل أن لا يلزم التحصيص المستهجن نقول ليس للآية الكريمة مفهوم.
والخلاصة: - إنَّ لازم ثبوت المفهوم في الآية الكريمة تخصيص مورد النزول وخروجه من الآية وهو مستهجن، فيلزم أن نرفض دلالتها على المفهوم رأساً حتى لا يلزم محذور التخصيص المستهجن.
ويرده: -
أولاً: - إن غاية ما يلزم هو أنَّ المفهوم يقيَّد بضم شخصٍ ثانٍ ولا موجب لرفع اليد عن المفهوم رأساً، وبكلمة أخرى: لو دار الأمر بين رفع اليد عن المفهوم رأساً وبين إبقائه مع تخصيصه بضم شخصٍ آخر فالتخصيص هو المتعين؛ إذ لا موجب لرفع اليد عن المفهوم رأساً فإنَّ الضرورة تقدَّر بقدرها.
ثانياً: - إنَّ التخصيص المستهجن هو تخصيص المنطوق لا تخصيص المفهوم، فإنَّ الذي سيق إليه الكلام هو ما يدل عليه المنطوق، فتخصيص المنطوق يمكن أن يحكم باستهجانه لأنَّ الكلام قد سبق لأجله، وهذا بخلاف المفهوم فإنه لا يلزم من ذلك محذور التخصيص المستهجن، وعلى هذا نحن نلتزم بتخصيص المفهوم وأنَّ الفاسق لا يكفي - يلزم تخصيصه - بل لابد من ضم العادل ولا استهجان في ذلك.
الاعتراض الرابع: - وهو اشكال على جميع أدلة حجية الخبر، وحاصله: إنه يلزم أن تكون جميع أخبارنا الموجودة مرفوضة لأنَّها معنعنة، فمثلاً الشيخ الطوسي ينقل عن الشيخ المفيد والشيخ المفيد ينقل عن غيره إلى أن نصل إلى الامام عليه السلام، ولكن أما بالنسبة إلى الشيخ الطوسي فلا يوجد إشكال من ناحية خبره وإنما الاشكال بلحاظ الوسائط الأخرى حيث يقال أنَّ خبر المفيد لا يمكن اثباته إلا من خلال تصديقنا للشيخ الطوسي، فإنَّ الشيخ الطوسي هو الذي أخبر عن المفيد وقال اخبرني المفيد بكذا وإلا فخبر المفيد ليس بثابت لنا بالوجدان.
وإن شئت قلت: - إن ( صدِّق العادل ) يصير موجداً لخبر المفيد وبالتالي يصير حكماً له أيضاً، فهو موجدٌ له وهو حكمٌ له أيضاً ، أما انه موجد له فإنَّ ( صدِّق ) لابد وأن يشمل خبر الشيخ الطوسي لأنَّ الشيخ الطوسي قال ( حدثني المفيد ) فلابد وأن يشمل إخبار المفيد حتى يثبت خبر المفيد بثبوت ( صدِّق ) لخبر الشيخ الطوسي، وحينئذٍ نقول إذا ثبت خبر المفيد فسوف يثبت له ( صدِّق ) أي صدّق المفيد لأنه رجلٌ عادل، فبالتالي ( صدِّق الشيخ الطوسي ) صارت هي الموجدة للخبر وحكماً له، فهي توجد الخبر وتثبت للخبر، وموجد الشيء لا يمكن أن يكون حكماً له، وحكم الشيء لا يمكن أن يكون موجداً له.
ومن الواضح أن هذا الاشكال لا يأتي في الشيخ الطوسي فإنَّ الشيخ الطوسي لم يثبت خبره بـ ( صدِّق ) وإنما هو موجود في كتاب التهذيب وكتاب التهذيب موجود عندنا والخبر فيه فالشيخ الطوسي لم يوجد بحكم ( صدِّق )، نعم الحكم ثابتٌ له أما أنه موجد له فلا، وإنما شكال يأتي في الوسائط التي ينقل عنها الشيخ الطوسي إلى الامام عليه السلام، فكل واسطة من هذه الوسائط هي قد وجدت بـ(صدِّق ) أي صدِّق الراوي القبلي - مثلا ًالشيخ الطوسي - فيثبت خبر المفيد، وبالتالي يثبت الحكم للمفيد، فصار ( صدِّق ) الذي هو حكمٌ واحدٌ موجداً لخبر المفيد وحكماً له أيضاً، ثم لما شمل ( صدّق ) خبر الشيخ المفيد ثبت بذلك خبر الشيخ الصدوق مثلاً، فالشيخ الصدوق خبره وجد بـ(صدّق ) والحكم له أيضاً هو صدِّق.
فإذاً هذا الاشكال يريد أن يقول يلزم أن يكون دليل حجية الخبر - الذي هو صدِّق العادل - هو موجداً وحكماً في نفس الوقت.
ومن الواضح أنَّ هذا الاشكال خاص بالأخبار التي جاءتنا مع الوسائط، وأما الاخبار التي جاءتنا من دون وسائط فلا يأتي فيها كما لو جاءنا شخص وأخبرنا بخبٍر من دون وسائط.
فإذا فرض أنَّ المخبر كان مخبراً من خلال الوسائل فيلزم أن تكون تلك الوسائط - غير الذي أخبرنا بالمباشرة إلى الشخص الذي يخبر عن الامام عليه السلام - قد وجد خبره بـ( صدّق ) القبلي وهو حكمٌ له أيضاً، ومن المعلوم أنَّ موجد الشيء لا يمكن أن يكون حكماً له، وحكم الشيء لا يمكن أن يكون موجداً له، وعليه فهذا الاشكال هو عام لجميع أفراد سلسلة السند ما الشخص عدى الذي اخبرنا بالمباشرة كالشيخ الطوسي.
والجواب:- إنَّ ما ذكر تام فيما إذا فرض أن حكم ( صدَّق ) لم يكن انحلالياً بعدد الافراد، وأما إذا بنينا على أنَّ الآية الكريمة حينما قالت ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ فمعناها بالمفهوم أنه صدقّ العادل فحينئذٍ يكون (صدِّق العادل) انحلالياً بعدد الافراد، فإن جاءني هذا الشخص العادل فيشمله ( صدِّق ) أو ثبت ذلك الحكم، وإن جاءني الشخص العادل الثاني فأيضاً يثبت له حكم ( صدِّق ) وهكذا، وعلى هذا لا الاشكال في البين بعد كون ( صدِّق العادل ) حكم انحلالي بعدد الوسائل، لأنه سوف يكون لكل واسطة ( صدِّق ) الخاص بها وحكمٌ خاص بها، وعليه فلا يأتي هذا الاشكال.