الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- ما استدل به على عدم حجية خبر الواحد - مبحث حجية خبر الواحد.

والصحيح في الجواب على ما كره الشيخ الأعظم(قده) أن يقال: - إنَّ التعليل الوارد في قوله تعالى ﴿ أن تصيبوا قوماً بجهالة ﴾ - يعني مخافة إصابة القوم بالجهالة وعدم العلم - له تتمة وهي قوله تعالى ﴿فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾، فالعلة ليست هي صابة القوم بالجهالة فقط بل الموجب للندم أيضاً، أي الموجب لأن تصبحوا نادمين، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها، وإذا أدخلناها هذه التتمة في الحساب فحينئذٍ لا يأتي اشكال الشيخ الأعظم(قده)، فأنَّ العلة ليست هي فقط وفقط إصابة القوم بالجهالة وإنما بإضافة حصول الندم، وعلى هذا الاساس يرتفع بذلك الاشكال فإنَّ العمل بخبر العادل لا يوجب الندم بل هو سيرٌ على مقتضى الطريق الصحيح، وعليه فلا تتحقق المعارضة حينئذٍ، إنما هي تتحقق وتكون تامة إذا حذفنا التتمة، أما بعد ادخال هذه التتمة في الحساب فسوف لا تتحقق المعارضة.

والمثبت لكون العلَّة ليست هي فقط وفقط إصابة القوم بجهالة وإنما بإضافة الندامة عدة أمور: -

الأول: - تصريح الآية الكريمة بذلك حيث قالت: - ﴿ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾، ولكن يبدو أنَّ الشيخ الأعظم(قده) لم يلتفت إلى أنَّ الندم هو جزء العلة؛ إذ كان ملتفتاً إلى ذلك لنبّه عليه ولردّه. وعليه فلا تحصل معارضة بين التعليل وبين المفهوم باعتبار أنَّ الأخذ بخبر العادل - الذي هو المفهوم الثابت من الآية الكريمة - لا يوجب الندامة، فإنَّ العلة ليست هي إصابة القوم بجهالة وإنما بإضافة قيد الندم فإنَّ هذا هو جزء العلَّة، وهذا هو ظاهر الآية الكريمة.

الثاني: - إذا كانت العلَّة عامة لمطلق الخبر بحذف التتمة - التي هي ﴿ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ - كما قال الشيخ الأعظم(قده) بأنها تعم حتى خبر العادل فلا وجه حينئذٍ لتخصيص الآية الكريمة الحكم بالفاسق، فتخصيص الآية الكريمة الحكم بالفاسق يرشدنا إلى أنَّ العلة ليست هي إصابة القوم بجهالة فقط بل بقيد ﴿فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾ فإنه بعد أخذ هذا القيد يلزم تخصيص المقدَّم بالفاسق كما صنعت الآية الكريمة، فإنه إذا جاءنا العادل سوف لا يحصل لنا ندم من الأخذ بقوله، وعلى هذا الأساس يكون تخصيص العلَّة بخصوص الفاسق هو بنفسه يرشدنا إلى أنَّ العلة ليست هي مخافة إصابة القوم بجهالة فقط وإنما بإضافة ﴿ فتصبحوا على فعلتم نادمين ﴾، وحينئذٍ يصير هذا التعليل خاصاً بالفاسق فقط ولا يعم العادل.

ثالثاً:- إنَّ التعليل لا يقبل التخصيص بشكلٍ عام، وهذا من الأمور الواضحة، فمتى ما علّلنا بشيء فسوف يكون تخصيص التعليل أمرٌ مرفوض، والحال أنه إذا كانت العلة هي خوف إصابة القوم بالجهالة وعدم العلم بقطع النظر عن التتمة - التي هي ﴿ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ - يلزم تخصيص هذا العموم في موارد مثل البيّنة وأخبار ذي اليد حيث يلزم إخراجهما، بخلاف ما إذا فرض أنَّ العلة كانت مقيّدة بالندم فحينئذٍ نقول إنَّ هذه العلّة لا يلزم من ذلك تخصيصها بخروج موارد البينة وإخبار ذي اليد فإنَّ العلَّة ليست هي فقط وفقط إصابة القوم بالجهالة وإنما العلة فيها تتمة وهي ﴿ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ وهذه العلة لا تشمل مثل البينة وإخبار ذي اليد وما شاكل ذلك.

رابعاً:- إنَّ التعليل الذي أشارت إليها الآية الكريمة هو تعليلٌ بأمرٍ عقلائي، فإنها قالت لا تأخذوا بخبر الفاسق وعللت بتعليلٍ عقلائي وهو أنه لو أخذتم به فسوف يحتمل صابة القوم على خلاف العلم وبالتالي يلزم الندم، فالعلة هي هذه، وحينئذٍ نقول في مثل ذلك إنَّ العقلاء يتّبعون خبر العادل فيكون خبر العادل خارجاً من هذا التعليل؛ إذ التعليل هو تعليلٌ بأمرٍ عقلائي وهو أنه لا تتبعوا خبر الفاسق مخافة أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، فهذا الشيء لو أخذناه بأجمعه فسوف لا يلزم من ذلك أن يكون خبر العادل ليس بحجة، لأنه لو أخذنا به فسوف لا يلزم من ذلك الندم فإنَّ الأخذ بخبر العادل عليه نظام الناس، وعليه فلا يلزم اشكال التهافت بين صدر الآية الكريمة وذيلها بعد ضم هذه الضميمة، وبذلك يندفع بذلك الاشكال.