الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- ما استدل به على عدم حجية خبر الواحد - مبحث حجية خبر الواحد.

الاعتراض الثاني للتمسك بآية النبأ: - وهو ما افاده الشيخ الأعظم(قده) وقال عنه إنه لا يمكن دفعه، وحاصله:- نحن نسلّم بأن المفهوم في آية النبأ موجودٌ ولكنه يتعارض مع التعليل الموجود في ذيل الآية الكريمة - وهو ﴿ أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ - فإنَّ مقتضى هذا التعليل هو أنَّ الأخذ بخبر الواحد حتى العادل غير جائز للمعارضة بين المقدم والتالي - أي بين مفهوم الشرط وبين التعليل - فالمقدم هو ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ فيصير مفهوم الشرط هنا ( إنَّ غير الفاسق لا تتبينوا عن نبأه وإنما خذوا به )، فتصير معارضة بين هذا المفهوم وبين التعليل الوارد في ذيل الآية الكريمة - وهو ﴿ أن تصيبوا قوماً بجهال فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ - فإنَّ التعليل الذي ذكر هو تعليلٌ عام ولا يختص بخبر الفاسق وإنما يعم حتى خبر العادل لأنه يحتمل اشتباه العادل أيضاً، فإذا أخذنا بنبأ العادل فإنَّ خوف الندامة يكون ثابتاً بلحاظه أيضاً لأن احتمال الخطأ والاشتباه موجود فيه أيضاً، وعليه فالمعارضة بين المقدم والتالي تكون موجودة أيضاً وبالتالي نخاف من الندامة أيضاً عند الاخذ بخبر العادل فإنَّ التعليل عام يشمل خبر العادل أيضاً.

وكأنَّ الشيخ الأعظم(قده) يريد أن يقول: - لو لم يكن هناك تعليل في الآية الكريمة - وهو خوف الإصابة بجهالة وعدم العلم - وكان الوارد فقط هو ﴿ إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا ﴾ لصارت الآية الكريمة دالة على المطلوب، ولكن مادام هذا التعليل موجوداً وهو يشمل خبر العادل أيضا فالمعارضة تكون موجودة وعليه فلا يصح التمسك بها لاثبات حجية خبر العادل.

وقد ذكرت عدَّة أجوبة على هذا الاعتراض: -

الجواب الأول: - إنَّ المفهوم أخصّ من عموم التعليل، والخاص مقدّم على العام، حيث إنَّ الخاص يخصِّص العام ويُخرِج الخاص منه، باعتبار أنَّ صدر الآية الكريمة تقول: - ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ فيفهم منه بالمفهوم أنه إن جاءكم عادلٌ فلا تتبينوا، وهذا أخصّ من مما ذكر بعد ذلك من التعليل - وهو ﴿ أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾ - فهذا التعليل يخصَّص بمجيء خبر العادل فإنَّ مفهوم ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ أخص من التعليل، والخاص مقدَّمٌ على العام.

وفي التعليق على هذا الجواب نقول: - لو كان التعليل منفصلاً عن المفهوم الذي هو خاص فحينئذ يتم ما افيد، فإنَّ المفهوم ينعقد حينئذٍ لأنَّ التعليل منفصلٌ وبالتالي يكون هذا المفهوم بعد انعقاده مخصَّصاً العام، بيد أنَّ المفروض أنَّ التعليل متّصل، ومادام متصلاً بالمقدَّم - الذي هو ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ - فسوف يمنع من انعقاد المفهوم أي يتعارض، ومعه فلا ينعقد المفهوم آنذاك.

الجواب الثاني: - التمسك بمسلك جعل العلمية، وذلك بأن يقال: إنَّ حجية الشيء تعني جعله علماً، وبناء على هذا المسلك يكون المفهوم حاكماً على عموم التعليل فيكون مقدّماً عليه بالحكومة، لأنه بناءً على مسلك جعل العلمية سوف يصير خبر العادل حجة بسبب المفهوم والحجية هنا بمعنى العلمية، وإذا صار علماً صار حاكما ًعلى عموم التعليل، فإنَّ التعليل يقول ﴿ أن تصيبوا قومً بجهالة ﴾ يعني مخافة أن تصيبوا قوما بجهالة فيأتي حينئذٍ المفهوم ويقول إنَّ خبر العادل ليس بجهالة بل هو علم - وإن كان علما تعبداً - فيكون حاكماً على عموم التعليل.

ويرده: -

أولاً: - إنه حتى لو سلّمنا بمسلك جعل العلمية ولكن نقول إنَّ التعليل الدال على عدم حجية غير العلم يكون دالاً على أنَّ كل فردٍ من غير العلم هو ليس بحجة ومنه خبر العادل فإنه ليس علماً ولم يُجعل علماً، وبناءً عليه يكون المورد ليس من موارد الحكومة وإنما هو من موارد العام والخاص.

فبالتالي نحن قبلنا بما ذكر ولكن اختلفت المنهجة، فصاحب الفكرة أراد أن يقول إنه بناءً على مسلك جعل العلمية مادام خبر العادل قد صار حجة فهذا يعني أنه صار علماً فيخرج عن عموم التعليل، ونحن نقول: إننا ننكر مسلك جعل العلمية ولكن لو تم هذا الكلام وقلنا إنَّ خبر العادل صار علماً فالتعليل يدل حينئذٍ على أنَّ كل فرد من افراد النبأ هو ليس بحجة بينما مقدَّم الآية يدل بالمفهوم على أنَّ خبر الثقة صار حجة أي صار علماً، فيصير المورد من التخصيص، فذاك التعليل يقول كل فرد من النبأ ليس بحجة بينما الصدر يقول إنَّ خبر العادل صحيح أنه لم يجعل علماً ولكنه حجة ويؤخذ به، وعليه فالمورد يصير من العام والخاص وليس من مورد الحكومة. وهذا الرد اشبه بالردّ الفني.

ثانيا: - إنَّ الحكومة تتم فيما إذا انعقد لصدر الآية الكريمة وتم له المفهوم، ونحن نقول: إنَّ اتصال التعليل بصدر الآية الكريمة يمنع من انعقاد المفهوم - وهو حجية خبر العادل - فلا يكون حينئذٍ مخصِّصاً أو حاكماً على عموم التعليل، وعليه فهذا الجواب مرفوض من الأساس لأنَّ الحكومة فرع انعقاد المفهوم، ومع اتصال التعليل سوف لا ينعقد لصدر الآية الكريمة مفهوم حتى يكون حاكماً ومقدماً.