46/04/10
الموضوع:- الاستدلال بآية النبأ على حجية خبر الواحد - مبحث حجية خبر الواحد.
التقريب السادس: - أن يقال إنَّ الآية الكريمة اناطت وجوب التبيّن بالفسق وقالت: - ﴿إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا﴾ وهذا يعني أنه عليكم أن تفحصوا وتتحققوا من خبر الفاسق وهذا يدل على أنّ الموجب لردّ الخبر هو الفسق، وأما بقطع النظر عن الفسق فيلزم الأخذ بالخبر وهذا هو معنى الحجية.
وبعبارة أخرى: - إنَّ الآية الكريمة علّقت وجوب التبيّن على مجيء الفاسق بالنبأ وهذا يدل على أنَّ الخبر لولا فسق المخبر لوجب الأخذ به ولكن لأجل الفسق وجب التبيّن والفحص، وعلى هذا سوف تدل بالمفهوم على حجية خبر غير الفاسق.
وفي الجواب نقول: - إنَّ هذا الوجه يكون تاماً فيما لو كان المانع من قبول الخبر منحصراً بالفسق، ولكن يحتمل وجود مانعٍ آخر غير الفسق يوجب ردّ الخبر ككونه مخالفاً للمشهور أو غير ذلك، فبما أنَّ الآية الكريمة لا يستفاد منها حصر المانع من قبول الخبر بفسق المخبر فحينئذٍ لا يمكن أن يتم هذا التقريب.
إن قلت: - لو كان هناك مانع آخر لأشارت إليه الآية الكريمة، وحيث لم تشر إليه فيفهم من ذلك أنَّ المانع منحصر بالفسق.
قلت: - إنَّ هذا يتم فما لو فرض أنها كانت في صدد بيان جميع الموانع فهنا يصير الأمر كما قيل فإنَّ الاقتصار على خبر الفاسق يدل على أنَّ خبر غير الفاسق يكون حجة، وأما إذا كان ذكر خبر الفاسق هو من باب أنه محل للابتلاء غالباً فحينئذٍ لا يمكن أن يستفاد من الآية الكريمة حصر المانع بالفسق بل يحتمل وجود موانعٍ أخرى، وعليه فلا يمكن أن يستفاد من هذا التقريب حجية خبر غير الفاسق.
التقريب السابع: - وهذا التقريب يشتمل على ذكر ثلاث نكات لحجية خبر غير الفاسق إذا اجتمعت دلت على حجيته، بل يمكن أن تكون كل واحدة من هذه النكات صالحة كبيانٍ مستقل لاستفادة حجية خبر العادل من الآية الكريمة: -
النكتة الأولى: - إنَّ الآية الكريمة في صدد إعطاء قاعدة كلية في قبول الخبر وهي أنه إذا جاء العادل بالخبر فلا حاجة إلى التبيّن - وهذا قد دلت عليه بالمفهوم - وبما أنَّ عدم وجوب التبيّن كناية عرفاً عن الحجية فيستفاد من ذلك أنَّ مجيء غير الفاسق - أي العادل - بالنبأ موجب لحجية النبأ؛ إذ لا يجب التبيّن عنه بمقتضى مفهوم الآية الكريمة، ووجوب بالتبيّن تعبير عرفي عن عدم الحجية وعدم التبيّن تعبير عرفي عن الحجية، فيستفاد من خلال هذه النكتة أنَّ وجوب التبيّن ينحصر بالفاسق فيكون خبر غير الفساق حجة.
النكتة الثانية: - إنَّ مناسبات الحكم والموضوع تقتضي أنَّ الموجب للتبيّن هو الفسق وإلا فالعدالة لا تناسب مع وجوب التبّين، وحينئذٍ يستفاد من الآية الكريمة أنَّ الموجب للتبيّن هو خصوص خبر الفاسق؛ إذ المناسب للتبيّن هو الفسق وأما العادل فليست هناك مناسبة بينه وبين وجب التبيّن، ومعه سوف ينعقد للآية الكريمة مفهوم في أنَّ خبر العادل حيث لا يجب التبيّن عنه فهو حجة.
النكتة الثالثة: - التعليل بالندم، فإنَّ الآية الكريمة قالت: - ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ والندم يصير بالأخذ بخبر الفاسق لأنَّ هذا طريقٌ منحرف، وأما إذا أُخِذَ بخبر العادل فمخافة الندم غير موجودة عادةً وهذا يتناسب مع حجية خبره.
فإذاً كل واحدة من هذ النكات إن لم تكن بنفسها صالحة لإثبات حجية خبر العادل فلا يبعد أن يصلح المجموع دليلاً واحداً لاثبات حجية خبر الواحد.
وبهذا قد اتضح من خلال ما ذكرنا أنَّ الوجوه التي ذكرت لاثبات حجية خبر الواحد سبعة وقد واتضح أنَّ التام منها وجهان الأول والسابع.