46/04/01
الموضوع:- مبحث حجية خبر الواحد.
التقريب الثالث: - أن يقال إنَّ وجوب التبيّن إذا لم يكن خاصاً بالفاسق يلزم ثبوت وجوب تبيّنٍ آخر عن خبر العادل، فيصير وجوب تبيّن عن خبر الفاسق ووجوب تبيّن ثانٍ عن خبر العادل وهذا باطل، فإنَّ خبر العادل بما هو خبر عادل لا يقتضي وجوب التبيّن وإنما الذي يقتضي وجوبه هو إما خبر الفاسق أو ذات الخبر لا خبر العادل، وعلى هذا الأساس يلزم من ذلك اختصاص وجوب التبيّن بخبر الفاسق.
وفي الجواب يقال: - إنَّ ما ذكر يتم فيما إذا كان الوجوب تكليفياً، يعني يجب التبيّن عن خبر الفاسق فحينئذٍ لا يمكن ثبوت وجوب تبيّنٍ آخر تكليفي في حق خبر العادل فإنه لا يحتمل أنَّ خبر العادل بما هو خبر عادل يجب التبيّن عنه، ولكن نقول لعل وجوب التبيّن هو وجوب ارشادي، فهو ارشادٌ إلى عدم حجية خبر الفاسق وبالتالي وجوب التبيّن كما أنه ثابت لخبر الفاسق لا مانع من ثبوته أيضاً لمطلق الخبر، فالخبر بما هو خبر يقتضي وجوب التبيّن أيضاً ولا مانع من ذلك.
ولكن يرده: - إنَّ وجوب التبيّن مادام ارشادياً فحينئذٍ لا محذور في اناطته بخبر الفاسق وبمطلق الخبر أيضاً، فالوجوب الإرشادي لا مانع من بثبوته لمطلق الخبر، نعم ثبوت وجوب التبيّن التكليفي لخبر الفاسق وثبوته لخبر العادل قد يكون محل اشكال أما الوجوب إذا لم يكن تكلفياً وكان ارشاداً لعدم الحجية فلا مانع حينئذٍ من ثبوته لخبر الفاسق ولمطلق الخبر من دون محذور.
ولكن في مقام التعليق على ذلك نقول:- المناسب هو الاكتفاء بوجوب التبيّن لمطلق الخبر وأما خبر الفاسق بعنوانه فلا داعي لإثبات وجوب التبيّن بلحاظه، فنقول مطلق الخبر يلزم التبيّن عنه أما أن نقول يجب التبيّن عن خبر الفاسق بعنوانه ثم نقول يجب التبيّن عن خبر العادل أو لمطلق الخبر فلا داعي إلى ذلك، بل من البداية المناسب أن يقال يجب التبيّن لمطلق الخبر لا أن نقول من البداية يجب التبيّن لخبر الفاسق، ولعل الآية الكريمة حينما قالت ﴿ إن جاءكم فاسق ﴾ إشارة إلى أنَّ هذا فاسق ومن المناسب رفض خبره، وعليه فهذا التقريب يكون مشكلاً.
التقريب الرابع: - ما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) من أنَّ وصف النبأ وصفٌ ذاتي ووصف الفسق وصفٌ عرضي فلو كان النبأ بما هو نبأ يقتضي وجوب التبيّن كان اثبات وجوب التبيّن لخبر الفاسق قبيحاً؛ لأنَّ التعليل بالوصف العرضي مع فرض وجود الوصف الذاتي قبيح، فإنَّ عنوان الخبر بما هو خبر وصف ذاتي، فإذا كان هو يقتضي وجوب التبيّن فحينئذٍ من المناسب أن يعلَّل الحكم لا بالفسق الذي هو وصفٌ عرضي وإنما يعلل بأنه هذا خبر وحينئذٍ لا يجوز العمل بالخبر.
فمع وجود الوصف الذاتي - الذي هو عنوان الخبرية - إذا قلنا إنَّ عنوان الخبرية لا يقتضي الحجية فمن المناسب أن يكون التعليل بالوصف الذاتي لا بالوصف العرضي والحال أنَّ الآية الكريمة عللت بالوصف العرضي وهذا يدل على أنَّ الخبر بما هو خبر - الذاتي - لا يقتضي وجوب التبيّن وإنما الذي يقتضيه هو خبر الفاسق.
فإذاً التعليل بالوصف الذاتي يكون هو المناسب وليس التعليل بالوصف العرضي؛ لأنَّ رتبة الوصف الذاتي اسبق من رتبة الوصف العرضي، وإذا كان الذاتي هو الصالح للعلمية فيكون ذكر الوصف العرضي لغواً وبلا فائدة، بل لعله يكون موهماً لفهم الخلاف وأنَّ الخصوصية هي لخبر الفاسق.
والخلاصة: - لو كان وصف الخبرية الذي هو وصف ذاتي هو الذي يقتضي وجوب التبيّن فمن المناسب التعليل به ولكن العدول عنه بالتعليل إلى الوصف العرضي - الذي هو الفسق - بعد وجود الوصف الذاتي - الذي هو الخبرية بما هي خبرية - يدل على أنَّ خبر الفاسق هو الذي ليس بحجة[1] .