الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث حجية خبر الواحد.

أما الاستدلال بالكتاب الكريم: - فأهم ما استدل به لحجية الخبر هو آية النبأ، وهي قوله تعالى: - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾[1] ، واستدلال بها مرة يكون بمفهوم الشرط، وأخرى بمفهوم الوصف، وربما يكون بتقريباتٍ أخرى.

التقريب الأول: - التمسك بمفهوم الشرط. وهو مركب من مقدمتين: -

المقدمة الأول: - إنه يوجد عندنا ثلاثة أشياء، حكمٌ وهو وجوب التبيّن، وموضوعٌ للحكم وهو النبأ، وشرطٌ وهو كون الجائي فاسقاً، وكأنه قيل هكذا: - ( النبأ إذا كان الجائي به فاسقاً فيجب التبين عنه ).

المقدمة الثانية: - إنَّ وجوب التبيَّن كناية عرفاً عن عدم الحجية، وعدم وجوب التبين كناية عرفاً عن الحجية.

ومن خلال هذا التقريب يتضح أنَّ ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) من اضافة مقدمة أخرى إلى الاستدلال لا حاجة إليه:- فإنه لم يذكر المقدمة الثانية فاحتاج إلى مقدمة اخرى وهي الاسوأية حيث قال:- إنَّ الآية الكريمة دلت على أنه إذا جاء الفاسق بالنبأ وجب التبين وبالمفهوم تدل على أنه إذا جاء العادل بالنبأ فلا يجب التبين، وفي عدم وجوب التبين من خبر العادل احتمالان الأول أن نأخذ به رأساً والثاني أن نردّه رأساً، فإذا صار المفهوم هو الاحتمال الثاني لزم من ذلك اسوأية حال خبر العادل بلحاظ حال خبر الفاسق لأنه سوف يردّ رأساً بخلاف خبر الفاسق لأنه سوف يلزم التبين عنه.

وفي التعليق نقول: - إذا جعلنا عدم وجوب التبيّن كنايةً عن الحجية فسوف لا نحتاج مقدمة الأسوأية التي ذكرها فإنَّ هذه الكناية العرفية مقبولة عند العرف فنقول إنَّ عدم التبيّن هو كناية عن الحجية، فالآية الكريمة لم تقل ردّ خبر العادل رأساً وإنما قالت لا توجد حاجة إلى التبيّن بلحاظه فيكون ذلك كناية عرفية عن الحجية وهذا شيء مقبول، وعليه فلا نحتاج إلى المقدمة التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده).

وإذا قطعنا النظر عما اشرنا إليه - من أنَّ وجوب التبيّن كناية عرفاً عن الحجية – فإنه يلزم من ذلك الحاجة إلى مقدمة الاسوأية أيضاً حتى بناءً على الوجوب الشرطي، فحتى لو قلنا إنَّ جوب التبيّن هو وجوبٌ شرطي - يعني من باب أنه شرط لجواز العمل كما ذكر الشيخ الأعظم(قده) – ولكن نبقى بحاجة إلى مقدمة الأسوأية، لأنّ مفهوم الآية الكريمة سوف يصير:- ( إن لم يجئكم الفاسق بل جاءكم العادل فليس شرط عملكم بنبئه التبين )، ونحن نقول له إنَّ هذا يلتئم مع الاحتمال الأول وهو إن نأخذ به رأساً من دون حاجةٍ إلى شيء وهذا مقبول، وأما الاحتمال الثاني - هو ردّه رأساً - لابد من ابطاله ولا يمكن ابطاله إلا بإضافة مقدمة الاسوأية، فعاد الشيخ الأعظم(قده) إلى مقدمة الاسوأية حتى بناءً على القول بكون وجوب التبيّن كنايةً عن الحجية.


[1] الحجرات/السورة49، الآية6.