الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الأدلة على حجية الشهرة الفتوائية – الشهرة الفتوائية.

الدليل الثالث: - التمسك بمرفوعة زرارة التي رواها ابن ابي جمهور عن العلامة عن زرارة قال: - ( سألت الباقر عليه السلام فقلت:- جعلت فداك يأتي عنكما الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟ قال عليه السلام:- خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر ... )[1] .

وتقريب الدلالة أن يقال: - إنَّ الامام عليه السلام أمر بالأخذ بالمشتهر وهذا بإطلاقه - أو بإلغاء الخصوصية - يشمل كل مشتهر وإن لم يكن بين الروايتين المتعارضتين فيتعدى حينئذٍ حتى إلى الفتوى المشهورة.

ويرده: -

أولاً: - إنَّ التعدي من الروايتين إلى غيرهما أمرٌ مشكل، فإنَّ الراوي سأل الامام عليه السلام عن الروايتين المتعارضتين والإمام عليه السلام أمره بالأخذ بالرواية المشهورة وهذا لا ينبغي أن يفهم منه عرفاً الأخذ بكل مشهور وإن لم يكن بين الروايتين المتعارضتين، وهذا نظير ما لو فرض أنَّ شخصاً سأل وقال عندي تفاحتين وأنا يلزمني أن آكل واحدة منهما فأيها آكل؟ فيجيئه الجواب ( كل أكبرهما ) فهل يفهم من ذلك أن كل أكبر لابد من اختياره كما لو كان هناك شخص عنده بنتين وخطب شخص واحدة منهما فهل عليه أن يختار الكبرى؟! إنَّ العرف لا يفهم ذلك، وعليه فهذا التعدّي محل اشكال.

ثانياً:- يحتمل - ويكفينا الاحتمال - أن يكون المقصود من المشتهر بين الاصحاب ليس بمعنى اشتهار الرواية بدرجة سبعين بالمائة مثلاً أي المنقولة والمعروفة بدرجة سبعين بالمائة بخلاف الأخرى التي تشتهر بدرجة ثلاثين - وإنما المقصود هو الرواية الواضحة بين الاصحاب وأنها من رواياتهم ويتناقلونها بدرجةٍ واضحةٍ في مقابل الرواية الأخرى التي لا تتناقل بتلك الدرجة، فالشهرة هنا هي بمعنى الوضوح، يعني من الواضح أنها من روايات أهل البيت عليهم السلام وليس هو المعنى المصطلح للرواية المشهورة، وما ذكرناه لا نريد أن ندَّعي الجزم به وإنما هو محتمل يكفينا الاحتمال، وحينئذٍ تصير الرواية مجملة فلا يمكن الاستدلال بها.

ثالثاً: - إنَّها ضعيفة السند، فإن ابن أبي جمهور الاحسائي رواها عن العلامة وطريق العلامة مجهول حيث لم يذكره، كما أنَّ هذه الرواية لم تذكر في كتب العلامة وإنما الذي نقلها عنه هو ابن أبي جمهور، كما أنَّ العلامة رواها عن زرارة وطريقه إلى زرارة مجهول أيضاً وهذه قضية أخرى حتى لو رواها العلامة.

ومن هنا طعن فيها صاحب الحدائق(قده) حيث قال: - ( لم نقف عليها في غير كتاب عوالي اللآلي مع ما هي ما عليه من الرفع والارسال وما عليه الكتاب المذكور من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الاخبار والإهمال وخلط غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها كما لا يخفى على من وقف على الكتاب المذكور )[2] .

الدليل الرابع: - التمسك بعموم التعليل في آية النبأ: -

حيث جاء في التعليل: - ﴿ أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ فيفهم من هذا التعليل أنَّ كل ما كان الأخذ به يوجب الندم فلا يجوز الأخذ به، وحيث إنَّ الأخذ بالشهرة الفتوائية لا يلزم منه الندم أو السفاهة فحينئذٍ تكون حجة.

ويرده: - إنه لو قيل ( لا تشرب الخمر لأنه مسكر ) فغاية ما يفهم منه هو أنَّ الخمر لا يجوز شربه لأنه مسكر وكذلك كل مسكر لا يجوز شربه أيضاً أما أنَّ غير المسكر يجوز شربه بجميع افراده فلا يفهم منه ذلك، نعم يجوز شربه في الجملة لا جميع افراده، والأمر في المقام كذلك فإنَّ غاية ما يفهم من التعليل في الآية الكريمة هو أنَّ ما يوجب الوقوع في الندم والسفاهة لا يجوز الأخذ به أما أنه ما لا يوجب الندم والسفاهة يجوز الأخذ به بجميع أفراده فهذا أول الكلام.

وعليه فحتى لو سلّمنا بأنَّ الأخذ بالشهرة الفتوائية لا يوجب السفاهة والندم ولكن التعليل في الآية الكريمة لا يفهم منه أنَّ كل مالا يوجب السفاهة والندم يؤخذ حتى نقول إنَّ الأخذ بالشهرة الفتوائية لا يوجب السفاهة والندم فنأخذ بها.

ومن خلال جميع ما تقدم عرفنا أنَّ الشهرة الفتوائية لم يتم عليها دليل غايته أنه قد جرت عادة الفقهاء على أنه إذا كانت هناك شهرة فتوائية فإنهم يحتاطون لأجلها.


[1] خاتمة مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج17، ص303.
[2] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج1، ص99.