الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حجية الاجماع المنقول - مبحث الاجماع.

الاجماع المنقول: -

إذا لم يحصّل الفقيه الاجماع بنفسه من خلال يتتبع آراء الفقهاء وإنما نقله له الغير فهذا ما يصطلح عليه بالاجماع المنقول، فهل هذا الاجماع حجة أو لا؟

قد يستدل على حجيته بوجهين: -

الوجه الأول: - التمسك بدليل حجية خبر الثقة حيث يقال إنَّ الثقة إذا نقل الاجماع فهو بالتالي قد نقل بالالتزام رأي الامام عليه السلام، فيكون هذا الناقل للاجماع ناقلاً لرأي الامام عليه السلام وقوله فيكون حجة.

وجوابه: - إنَّ تحصيل رأي الامام عليه السلام إنما يمكن من طريق الحس، والمرفوض أنه هو سأل الفقهاء عن آرائهم وحصّل رأي الفقهاء، فرأي الفقهاء هو له ثابتٌ بالحس وأما رأي الامام عليه السلام فلم يثبت عنده حسّاً، نعم هو إذا قطع به فسيكون حجة من باب قطع القاطع وأما غيره من الفقهاء فلا يكون ذلك حجة عليهم لأنهم لم يقطعوا برأي الامام عليه السلام، وعليه فلا يكون نقل الاجماع حجة في اثبات رأي الامام عليه السلام.

الوجه الثاني:- أن يقال إنَّ ناقل الاجماع هو ينقل آراء الفقهاء وحينئذٍ نقول إذا ثبتت آراء الفقهاء فسوف يثبت بذلك رأي الامام عليه السلام غايته بالوساطة لا بالمباشرة، يعني أنَّ هذا الفقيه نقل الواسطة وهي آراء الفقهاء وهذا يلازم رأي الامام عليه السلام.

والجواب:- إنَّ الخبر إنما يكون حجة فيما إذا كان الشيء المخبَر به حكماً شرعياً أو كان متعلّقاً لحكمٍ شرعي - هو الصلاة مثلاً - أو كان موضوعاً لحكمٍ شرعي - وموضوع الحكم الشرعي هو الكلف - فإذا نقل الراوي ما يرتبط بالحكم أو بالمتعلَّق أو بالموضوع يكون نقله حجة، وأما إذا لم يكن نقله ملازماً لأحد هذه الأمور الثلاثة فلا يكون نقله حجة، وبناءً على هذا نقول إنَّ الذي ينقل الاجماع لا يكون ناقلاً للحكم ولا للموضوع ولا المتعلق فلا يمكن ثبوته من خلال حجية الخبر، نعم إذا فرض أنَّ المنقول إليه حصل له شيءٌ من آراء الفقهاء من طريق النقل وهو أيضاً بحث وضّم إليه أشياءً من هنا وهناك فحصل له القطع براي الامام عليه السلام فحينئذٍ يكون ذلك حجة خاصة به وإلا فلا يكون حجة.

ومن خلال هذا اتضح أنَّ نقل الاجماع لا ينفع لا من حيث المسبَّب ولا من حيث السبب، أما من حيث المسبب - يعني من حيث رأي الامام علي السلام فإنَّ المنقول ليس هو رأي الامام عليه السلام - ولا من حيث السبَّب إذ السبَّب قد يكون ناقصاً وليس تاماً والحال أنه يلزم أن يكون السبَّب تاماً يلازم رأي الامام عليه السلام فحينئذٍ يكون حجة وكثيراً ما أو عادةً لا يكون نقل الاجماع نقلاً للسبب التام حتى يكون حجة من ناحية نقل السبب التام.

والنتيجة النهائية من كل ما ذكرنا: - إنَّ الاجماع المنقول ليست له حجية لا من حيث المسبَّب ولا من حيث السبب، وهذه قضية واضحة.

أجل نستدرك كما استدرك الشيخ الاصفهاني في كفاية الاصول[1] حيث ذكر أنَّ الفقيه قد يحصل له الاطمئنان برأي الامام عليه السلام نتيجة تجميع القرائن، فإذا نقل شخصٌ اجماعاً فسوف يثبت بنقله للاجماع رأي مجموعٍ من الفقهاء فإذا ضمَّ المنقول إليه الاجماع ما حصّله من آراء الفقهاء أو من آيةٍ أو روايةٍ أو غير ذلك فحينئذٍ يمكن أن يحصل الاطمئنان بالحكم الشرعي.

بيد أننا نستدرك ونقول:- إنه بناءً على هذا سوف تعود الحجة إلى الاطمئنان وليس إلى نقل الاجماع، فإذا فرض أنَّ هذه الضمائم ضم بعضها إلى بعض وحصل الاطمئنان للفقيه فحينئذٍ يمكن أن يستفيد من هذا الاطمئنان لا أنَّ نقل الاجماع هو بنفسه سوف يكون حجة وإنما يكون هو جزء العلَّة وبقية الاجزاء هي ما يحصلّه هو، فإن تم وحصل الاطمئنان فسوف تعود الحجية إلى الاطمئنان.


[1] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج، ص290.