الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

46/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حجية الاجماع المحصَّل عند الامامية - مبحث الاجماع.

حجية الاجماع المحصل عند الامامية: -

إذا فرض أننا حصّلنا الاجماع - لا أنه نقل إلينا - فحينئذٍ هل يكون هذا الاجماع حجة ولماذا؟

وفي الجواب نقول: - قد ذكرت عدة وجوه وطرق لاستكشاف رأي الامام عليه السلام، فإذا اتفق جميع الفقهاء فإننا نستكشف من ذلك موافقة الامام عليه السلام للمجمعين أو أنهم أخذوا هذا الحكم منه عليه السلام، وعليه فيكون هذا الاجماع حجة، وهذا اجماع محصَّل أي نحن قد حصَّلنا، والوجوه التي ذكرت لإثبات حجية هذا الاجماع هي كالتالي: -

الوجه الأول: - طريقة الحس أو التضمّن، وقد نسبها الشيخ الأعظم(قده) في فرائده[1] إلى الشيخ المفيد والمرتضى وابن زهرة والمحقق والعلامة، وبيانها: - انه لو تتبعنا الفقهاء في جميع العصور من زماننا إلى زمان الغيبة ورأيناهم جميعاً قد اتفقوا على حكم ما فحينئذٍ سوف نتيقن بأنَّ الامام عليه السلام واحداً منهم، ومن الواضح أنَّ هذا يتم فيما إذا كان بعض المجمعين مجهول النسب وأما أذا كان الجميع معلوم النسب فالإمام ليس منهم جزماً.

ويشكل عليه: - بأنَّ القطع بتحصيل باتفاق جميع الفقهاء من بداية زمن الغيبة الكبرى إلى زماننا حتى يكون الامام أحدهم شيء صعب، ولو حصل فهو حجة على ادعى تحصيله فقط ودوننا فإننا فلا نجزم بحصول هذا الاتفاق حتى يكون حجة علينا، وعادةً نحن حينما نريد أن نحصّل أراء الفقهاء فإننا نذهب إلى الفقهاء المعروفين أما أننا نرى رأي احدهم وهو مجهول النسب فهذا مجرد فرض وقضية خيالية، نعم لو تحقق اتفاق الكل بحيث جزمنا بأنَّ بعضهم هو الامام عليه السلام - وهذه ككبرى - فهذا مقبول ولكن كصغرى يصعب اثباتها فإنَّ هذا فرع جهالة البعض والحال أن جميع فقهائنا معلوم النسب وما ذكر هو مجرد قضبة فرضية.

الوجه الثاني: - طريقة اللطف، وقد نسبها الشيخ الأعظم في فرائده[2] إلى الشيح الطوسي، وحصلها: - إنَّ الفقهاء إذا اتفقوا على حكمٍ من الاحكام فلو لم يكن اتفاقهم هذا صحيحاً لكان من اللطف الواجب على الامام عليه السلام أن يحول دون حصول هذا الاتفاق، فعدم حيلولته من خلال طريقة اللطف يدل على أنَّ هذا الاجماع مصيبٌ وصحيح.

ويرد عليه: - إنّنا لا نعرف النكتة في أصل غيبة الامام عليه السلام وهي ليست واضحة عندنا والحال أنَّ مقتضى اللطف ظهوره لنا حتى نطرح عليه مشاكلنا وأسئلتنا، ولو أجبت بأنَّ هناك حكمة قد اقتضت عدم ظهوره عليه السلام اجبنا بأنه لعل تلك الحكمة التي اقتضت عدم ظهوره هي بنفسها أيضاً حكمة لعدم إلقاء الخلاف بين الفقهاء إذا اتفقوا على حكمٍ رغم أن اتفاقهم ليس مصيباً.

الوجه الثالث: - طريقة الملازمة العادية، ولعلها أوجه الطرق، وحاصلها:- إنَّ اتفاق الفقهاء جميعاً في عصرٍ من العصور على حكمٍ مع عدم وجود مدركٍ واضح لهم من آيات أو روايات يكشف عن وصول ذلك الحكم لهم يداً بيد حتى عصر المعصوم عليه السلام وإلا فلا يحتمل أن يكون اتفاقهم صدفة، فاتفاقهم اجمع من دون خلاف بينهم يدل على أنَّ هذا الحكم قد وصل إليهم يداً بيد من عصر المعصوم عليه السلام، وليس المقصود من ذلك أنهم تلقوا روايةً من الامام عليه السلام حتى قال إذا كان المتلقّى رواية فلماذا لم ينقلوها إلينا بل نقول إنَّ المقصود أنهم تلقوا اجواءً واضحةً في هذا الحكم المتفق عليه وهذا يدل على أنَّ هذا الحكم قد وصل إليهم يداً بيد إلى عصر الامام عليه السلام، ويصطلح على هذه الطريقة بطريقة الحدس، وهذا شي وجيه.

ونذكر مثالاً لذلك: - هو أنَّ طالب العلم حينما يأتي إلى الحوزة العلمية لا يقال له لا تلبس ربطة العنق أو القبَّعة أو ما شاكل ذلك بل هو لا يرتدي مثل هذه الأشياء المخالفة للوضع الحوزوي من تلقاء نفسه لأنه يتلقى أجواءً واضحةً تفرض عليه هذه القضية، ونفس هذا الكلام نقوله بالنسبة إلى الحكم المجمع عليه؛ إذ مادام لا يوجد مخالف فهذا يعني أنَّ الاصحاب قد تلقوا أجواءً واضحةً وهذا الحكم كان وضاحاً في عصر الائمة عليهم السلام فيحصل حدس للفقيه بأنَّ هذا الحكم قد تلقي من معدن العصمة والطهارة.


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص187.
[2] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص188.