الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

46/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حجية الاجماع عند العامة، حجية الاجماع المحصَّل عند الامامية - مبحث الاجماع.

حجة الاجماع عند العامة: -

استدل العامة على حجية الاجماع بوجهين: -

الوجه الأول: - قوله تعالى: - ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾[1] ، بتقريب أنها تنهى عن اتباع غير سبيل المؤمنين، وعلى هذا الأساس إذا اتفق الفقهاء على حكمٍ فلابد من اتباع سبيلهم وطريقتهم، وبذلك ثبتت حجية الاجماع.

ويرده: -

أولاً:- إنَّ الآية الكريمة في صدد النهي عن مشاقَّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبيان أنَّ عدم مشاقته وحدها لا تكفي بل لابد من ابتاع سبيل المؤمنين في نصرته، وبعبارة أخرى:- إنَّ الشخص قد لا يشاقق الرسول ولكنه لا يتّبع سبيل المؤمنين في نصرته ونصرة الإسلام وهذا لا ينفع بل لابد للمؤمن لكي يكون مؤمناً أن لا يشاقق الرسول وفي نفس الوقت عليه أن يتبع سبيل المؤمنين في نصرته، وبناءً على هذا تكون الآية الكريمة أجنبية عن مسألة حجية الاجماع فإنَّ المقصود من عدم ابتاع سبيل المؤمنين المذكور فيها ليس هو في اجماعهم واتفاقهم وإنما القصود منه هو نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فالذي لا ينصره ولا يتابع المؤمنين الذين ينصرونه فهذا يكون على باطل وليست ناظرة إلى مسألة الاجماع بشكلٍ كلي.

ولك أن تقول: - إنَّ من تمسك بالآية الكريمة هو تمسك بسبيل المؤمنين ونحن نقول إنَّ المقصود من سبيل المؤمنين اللازم هو بمعنى نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فتكون أجنبية عن مسألة الاجماع بشكلٍ كلّي.

ثانياً:- لو كانت الآية الكريمة تدل على حجية الاجماع فهي لا تدل على حجية اجماع الفقهاء بالخصوص وإنما هي ناظرة إلى المسلمين ككل فإنها قالت ﴿ ويتبع غير سبيل المؤمنين ﴾ فهي ناظرة إلى لزوم اتباع سبيل المؤمنين في نصرة الرسول لا سبيل الفقهاء، فحتى لو اردنا التنزل عن المناقشة الاولى إلا أننا نقول إنَّها لا تنفعنا في المقام لأنها ناظرة إلى المؤمنين ككل لا إلى خصوص الفقهاء حتى يثبت حجية الاجماع بها، فهي تدل على أنَّ المؤمن لابد وأن يتابع غيره من المؤمنين في نصرة الرسول ونحن مطلوبنا هو اثبات حجية اجماع الفقهاء لا ما عليه المؤمنون ككل.

الوجه الثاني: - الروايات، فقد استدلوا ببعضها على حجيته، من قبيل ما رواه أنس بن مالك قال: - ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:- إن امتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم )[2] .

وما رواه أبو داود في سننه عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وآله: - (إنَّ الله اجاركم من ثلاث خلال:- أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعاً، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة)[3] .

يرد عليه: -

إنه بقطع النظر عن سندهما - فإنه غير معتبر - هما قابلتان للمناقشة من حيث الدلالة، فإنهما تدلان على لزوم اتباع جميع الأمة وأنَّ المدار على اتفاق جميع الأمة فإنَّ جميع الامة لا ينعقد اتفاقها على ضلال، ومثل هذا أجنبي عن الاجماع الذي هو محل بحثنا - والذي هو اجماع الفقهاء لا اجماع جميع الأمة من فقهاء وغيرهم كما هو مدلول هذين الحديثين - ومعه يتعين كون النظر في هذين الحديثين إلى الاتفاق في القضايا الاجتماعية والسياسية وليس الاتفاق في القضايا الفقهية فيكونان اجنبيين عن محل الكلام.

هذا بالسنة إلى حجية الاجماع عند العامة وقد اتضح أنه لم يثبت بدليل.

 

حجية الاجماع المحصّل عند الامامية: -

إنَّ حجية الاجماع في المدرسة الامامية لا تدور مدار اجتماع كل الامة وإنما تدور مدار كون الامام موافقاً للمجمعين، فإن ثبت ذلك فسوف يكون هذا الاجماع حجة وإن لم يكن الامام داخلاً معهم وموافقاً لهم فلا يكون حجة.


[1] النساء/السورة4، الآية115.
[2] سنن ابن ماجه، ابن ماجه، ج2، ص1303.
[3] سنن أبي داود - ت الأرنؤوط، السجستاني، أبو داود، ج6، ص307.