الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

46/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الاجماع - مبجث الظن.

الاجماع: -

والبحث عن الاجماع هو بحث في حجيته، فهل هو من أحد الأمارات الحجة بحيث خرج عن اصالة عدم حجية الظن أو لا، والاصوليون قد تكلموا عن الاجماعات المنقولة وأنَّ الاجماع المنقول هل هو حجة أو ليس بحجة، وكان من المناسب لهم البحث أولاً عن الاجماع المحصَّل فإذا ثبتت حجيته يبحث بعد ذلك عن حجية الاجماع المنقول، فهم دخلوا في البحث عن الاجماع المنقول ولم يذكروا كلاماً في الاجماع المحصَّل، ولعل تركهم البحث عن الاجماع المحصَّل هو أنَّ المتداول بينهم عادةً هو الاجماع المنقول ومن النادر أن يبحث الفقيه بنفسه ويحصّل الاجماع، وأما نحن فسوف نتكلم عن الاجماع المحصَّل أولاً ثم نتكلم عن الاجماع المنقول.

ونحن الآن تكلم باختصار عن الاجماع المحصَّل أولاً ثم نتكلم عن الاجماع المنقول وفي هذا المجال نقول: -

إنَّ البحث عن الاجماع كدليلٍ في مقابل الكتاب والسنَّة حدث أولاً عند العامة، فهم جعلوه في صفَّ الكتاب والسنَّة وبه أثبتوا شرعية خلافة الأول حيث قالوا قد اجمع المسلمون على بيعته فثبتت بذلك خلافته، فمستندهم في صحة ما ذهبوا إليه من شرعية خلافة الأول هو الاجماع، فأولاً حدث عندهم التمسك بالاجماع تصحيحاً للخلافة الأولى، وأما الامامية فقد تسمكوا بالاجماع بعد ذلك في الاحكام الشرعية، وقد طفحت كلمات السيد المرتضى(قده) بالتمسك بالاجماع ولعله أول من تداول هذا التعبير.

ومن الواضح أنَّ تمسك العامة بالاجماع لا يعني أنهم متقدمون في تأسيس علم الأصول فإنه لا توجد مثل هذه الملازمة، بل نرى أنَّ بداية بذرة علم الأصول كانت في المدرسة الامامية غايته أنَّ التمسك بالاجماع حصل عندهم أولاً لتصحيح تلك الخلافة كما أوضحنا.

ومن الغريب تحامل صاحب الحدائق(قده) على الاجماع[1] حيث قال إنه ليس بحجة لأنَّ حديث الثقلين قال: - ( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا ) والثقلين هما الكتاب والسنًّة وهذا يعني أنَّ غير الكتاب والسنَّة يلزم طرحه، وهذا معناه رفض للإجماع.

وفي مسألة وجوب صلاة الجمعة ادعى بعض الاصحاب - كالشهيد الثاني وغيره - أنَّ الاخبار يظهر منها أنَّ صلاة الجمعة واجبة بالوجوب العيني ولكن لابد من رفع اليد عن هذا الظهور في زمن الغيبة للاجماع على أنَّ وجوبها في عصر الغيبة ليس بنحو الوجوب العيني، فلأجل هذا الاجماع نرفع اليد عمّا هو ظاهر الاخبار في الوجوب العيني لها ونصير إلى الوجوب التخييري.

وهنا تحامل صاحب الحدائق(قده) على علم الاصول وقال إنَّ الاجماع ليس بحجة وإنما الحجة فقط وفقط هو الكتاب والسنَّة دون الاجماع والدليل على ذلك هو قول النبي صلى الله عليه وآله في خطبة الغدير حيث قال: - ( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ) فهو قال ( بهما ) ولم يقل ( بهم ) وقوله ( بهما ) يرجع الكتاب الله والسنَّة، فهو صلى الله عليه وآله حصر ما يلزم التمسك به وهو الكتاب والسنَّة فقط وهذا يدل بالدلالة الالتزامية على أنَّ الاجماع ليس بحجة.

وفي التعليق نقول:- نحن حينما ندّعي أنَّ الاجماع حجة فنحن لا نجعل الحجية له بنحو الاستقلال وإنما هو حجة لأنه يكشف عن السنَّة، وعلى هذا الأساس هو ليس دليلاً في عرض الكتاب والسنَّة وإنما هو كاشفٌ عن حكم الكتاب والسنَّة ونحن نأخذ به من باب كاشفيته عن حكم الكتاب والسنَّة، وهكذا الامر بالنسبة إلى العقل، فحينما نتمسك بالعقل فنحن لا نتمسك به كمدرك استقلالي بنفسه في عرض الكتاب والسنَّة وإنما نتمسَّك به من جهة الملازمة بين حكم العقل وحكم السنَّة، فالعقل إذا حكم بشيء فبالملازمة العقلية نستكشف أنَّ هذا هو حكم الكتاب والسنَّة، فدور العقل هو دور الكاشف عن حكم الكتاب والسنَّة لا دور المؤسس، وعلى هذا الأساس لا داعي إلى التحامل على الاجماع والعقل مادمنا نتمسّك بهما من باب كاشفيتهما عن حكم الكتاب والسنَّة، كما نعترف بأنَّ عدّ العقل والاجماع في عرض الكتاب والسنَّة غير صحيح كما لعله المتداول في تعابير علماء الأصول حيث يقولون بأنَّ الأدلة أربعة وهي الكتاب والسنَّة والعقل والاجماع حيث جعلوا العقل والاجماع في عرض الكتاب والسنَّة والحال أننا نأخذ بهما من باب كاشفيتهما عن حكم الكتاب والسنَّة، فهما ليسا في عرض الكتاب والسنَّة وإنما في طولهما ونحن نأخذ بهما من باب أنههما يكشفان عن حكم الكتاب والسنَّة وأما العرضية التي ذكروها فهي تعبير مسامحي وإلا فالدليل بالأصالة هو الكتاب والسنَّة فقط وأما العقل والاجماع فإنما نأخذ بهما من باب كاشفيتهما عن حكم الكتاب والسنَّة. هذا شيء.

وهناك شيء آخر:- وهو أنه وقع الخلاف بين الامامية وبين العامة في وجه حجية الاجماع، فكلانا يأخذ به ولكن هناك فارق بيننا، فهم يأخذون به في عرض الكتاب والسنَّة - أي بما هو هو - فإنهم يروون أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:- ( لا تجتمع أمتي على خطأ )، فالاجماع يأخذون به في عرض الكتاب والسنّة، وأما نحن الامامية فنرى أنَّ الاجماع بنفسه ليس بحجة وإنما هو حجة لأن يكشف عن رأي المعصوم عليه السلام، فهو حجة لكاشفيته عن السنَّة لا أنه بنفسه هو حجة، وهذا فارقٌ بين الاجماع عند الامامية والاجماع عند المدرسة الأخرى.


[1] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج9، ص362.