45/12/03
الموضوع:- النقطة الثالثة ( كيف نثبت الظهور المعاصر لعصر النص ) - حجية الظهور - مبجث الظن.
وما ذكره صاحب المعالم(قده) شيء وجيه ولكنه لم يذكر ما يثبته وفي مقام ذكر بعض المثبتات نقول: - إنَّه بعد وضوح أنَّ استصحاب القهقرى لا يمكن التمسك له اثبات حجيته بروايات ( لا تنقض اليقين بالشك ) لإنَّ ظاهرها أنَّ اليقين متقدّم والشك متأخر ومحل كلامنا أنَّ اليقين ثابت في الزمن الحاضر والشك يكون في زمان صدور النص - أي بالعكس تماماً - فروايات الاستصحاب لا تنفعنا في اثبات حجيته وإنما نتمسك لحجيته بوجوه أخرى نذكر منها ثلاثة:-
الوجه الأول:- إنَّ أصحاب الأئمة عليهم السلام في زمان الامامين الصادقين في زمان الامامين العسكري والهادي عليهم السلام كانوا يدوّنون احاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأئمة عليهم السلام ويضبطونها والهدف من ذلك كان هو العمل بظاهرها الموجود في زمانهم وسيرتهم قد جرت على ذلك وهذا معناه استصحاب القهقرى أي أنهم يبنون على أنَّ المعنى الظاهر عندهم هو نفس المعنى الذي كان ثابتاً في عصر صدور النص فيستصحبون ذاك المعنى بنحو القهقرى وقد جرت سيرتهم على ذلك وهذه السيرة تكفينا للبناء على العمل بالظهور الثابت في زماننا، وعليه فالمدار يكون على الظهور الثابت في زماننا فإنه إذا ثبت الظهور زماننا هو نفسه الظهور الثابت في عصر النص باستصحاب القهقرى وإلا سوف يصير تسجيل الاحاديث وضبطها لغواً، كما لابد للأئمة أن يردعوا عن ذلك وهذا غير موجود فيثبت بذلك أنَّ الظهور الموجود في زماننا هو نفسه الثابت في عصر صدور النص.
الوجه الثاني: - إنَّ العقلاء قد جرت سيرتهم على مراجعة الكتب القديمة كالمعلَّقات المعروفة والكتب القديمة للأحاديث الواردة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلو لم تكن هذه السيرة حجة في باب الاحاديث لكان على الائمة الردع عنها والنهي عن تطبيقها على أحاديث النبي صلى الله عليه وآله ولصدر الردع عنها في زمان الامام العسكري عليه السلام مثلاً لأنَّ الفترة بينه وبين عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كبيرة جداً واحتمال التغير موجود ولكنه لم يردع فيثبت بذلك الامضاء.
الوجه الثالث:- إنَّ الائمة عليهم السلام امرونا بحفظ الاحاديث فقد ورد في صحيح جميل بن دراج أنه قال:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام قول:- بشّر المخبتين بالجنة، بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست )، وحيث إنَّ الفترة التي كان يعيش فيها هؤلاء الرواة هي فترة قرنين تقريباً بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلو لم يبنَ على حجية الظهور الثابت في عصرهم وأنه نفس الظهور الثابت في عصر النص فسوف يكون الأمر بحفظ الأحاديث لغواً ومن دون فائدة وعليه فاستصحاب القهقرى يجري كما قال صاحب المعالم(قده).
تنبيه على أمور ثلاثة: -
الأمر الأول: - إنَّ استصحاب القهقرى ليس بحجة إلا في هذا المورد فهنا قد جرت السيرة على التمسك به لإثبات الظهور ومطابقته للظهور الثابت في عصر النص ويكون حجة وإلا فهو ليس بحجة في الموارد الاخرى؛ إذ لا دليل على حجيته في غير هذا المورد فإنَّ روايات ( لا تنقض اليقين بالشك ) لا تشمل هذا الاستصحاب لأنَّ ظاهرها أنَّ اليقين متقدّم والشك متأخر بينما استصحاب القهقرى يكون اليقين فيه متأخراً والشك متقدماً.
الأمر الثاني:- إنَّ استصحاب القهقرى يكون حجة في مورد تعيين الظهور إذا فرض الشك في أصل ثبوت المعنى الظاهر عندنا وأنه ثابت في عصر صدور النص أو لا، وأما إذا فرض أنه علم بتغير الظهور ولكن شك في زمان التغير فهنا لا يجري استصحاب القهقرى، كما لو حصل تغير بعد زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لا ندري هل حصل هذا التغير في زمان أمير المؤمنين عليه السلام أو في زمان الامام الصادق عليه السلام فهنا لا يمكن اجراء استصحاب القهقرى لإثبات حجيته وأنه ثابت في زمان أمير المؤمنين عليه السلام والوجه في ذلك هو أنَّ الأمور الثلاثة التي ذكرناها لحجية استصحاب القهقرى جارية وثابتة فيما إذا شك في أصل التغير وأما إذا جزم بالتغير وشك في تقدمه أو تأخره فحينئذٍ لا نحزم بوجود سيرة على الحكم باستصحاب القهقرى، فالمورد الذي انعقدت عليه سيرة المسلمين هو ما إذا كان الظهور ثابت الآن وشككنا في ثبوته في عصر النص وأما إذا جزم بحصول التغير ولكن شك في تقدمه أو تأخره فهنا لا يمكن باستصحاب القهقرى اثبات أنَّ التغير قد حصل متقدّماً أو متأخراً فإنَّ معقد السيرة ليس هذا المورد وإنما معقدها فما إذا شك في أصل التغير.
الأمر الثالث: - إنَّ استصحاب القهقرى حجة إذا لم تقم القرائن على حصول التغير في وسط الطريق وأما قامت القرائن على حصول التغير فلا يمكن التمسك بهذا الاستصحاب حينئذٍ، كما هو الحال في كلمة ( الشك ) فإنها صارت في زماننا مستعملة في تساوي الطرفين في الاحتمال بينما كانت تستعمل في الزمن السابق فيما هو خلاف العلم مثل ( لا تنقض اليقين بالشك ) فهنا ليس من البعيد أنَّ المقصود من الشك هو خلاف العلم واليقين والجزم وفي مثل هذه الحالة إذا لاح من القرائن أنَّ التغير قد حصل فاستصحاب القهقرى لا يجري حينئذٍ.