الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/12/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الدليل السادس والسابع للإخباري على عدم حجية ظواهر الكتاب والرد عليهما - حجية الظهور - مبجث الظن.

الدليل السادس: - أن يقال إنَّ ترتيب الآيات الكريمة لا يجزم بكونه بنحو ما نزل وإنما حصل لها ترتيب آخر ومعه فلا يمكن التمسك بظاهر الكتاب الكريم لأنَّ مجيء آية بعد آية قد يؤثر على الظهور فإذا اختلَّ ترتيب الآيات فلا يعود هناك مجال للجزم بأن ظهوره السابق باقٍ على حاله بل لعله يحصل ظهور ثانٍ وبالتالي لا يمكن التمسك بظواهر الكتاب الكريم.

ويمكن أن يجاب عن هذا الدليل بجوابين: -

الأول: - إنَّ ما افيد وجيه فيما لو قطعنا النظر عمّا أمرنا به الأئمة عليهم السلام من عرض الشروط الأخبار على كتاب الله تعالى فما خالفه يكون باطلاً وما وافقه يكون صحيحاً وهذا معناه امضاء المعصومين عليهم السلام لترتيب الآيات الكريمة على ما هي عليه الآن وإلا لما ارجعونا في بابي الاخبار والشروط إليه.

الثاني: - إنَّ ما ذكر يتم فيما لو فرض أنَّ الارتباط بين الآيات لم يكن واضحاً وأما إذا كان الترتيب والترابط بينها واضحاً فاحتمال اختلال ترتيب الآيات لا يأتي، وذلك من قبيل قوله تعالى:- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾[1] ، فهذه الآية الكريمة مترابطة فيما بينها في الأجزاء واحتمال مجيء آية أخرى إلى جنبها من دون أن تكون معها واقعاً وحقيقةً فهذا ضعيفٌ جداً.

الدليل السابع: - ما دلَّ على حصول التحريف في الكتاب الكريم، ومادام يحتمل حصول التحريف فحينئذٍ يحتمل وجود قرائن على خلاف الظهور في قسمٍ من الآيات الكريمة التي حرّف مكانها وعلى هذا الأساس لا يمكن الأخذ بظهور الكتاب الكريم بعد احتمال وجود قرائن على خلاف الظهور في القسم الذي حصل فيه التحريف عن مكانه فتلك القرائن قد ازيلت وتغيرت فزال بسبب ذلك الظهور.

وجوابه: -

أولاً: - يمكن أن يجاب عنه بما ذكرناه سابقاً من إنَّ الائمة عليهم السلام امرونا بردَّ الشروط والأخبار إلى كتاب الله عزَّ وجل وهذا يدل على عدم اختلال ظواهره وترتيبه.

ثانياً: - إنَّ نفس الكتاب الكريم يقول: - ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[2] ، ومادام الله عزَّ وجلَّ هو الذي حفظ الكتاب الكريم فالتحريف بما يغير ظاهره ليس بموجود.

إن قلت: - لعل التحريف قد حصل في نفس هذه الآية الكريمة.

قلت: - إنَّ هذا الاحتمال مرفوض لأنه يعني وجود زيادةٍ في القرآن الكريم - أي أنَّ هذه الآية قد زيدت في الكتاب الكريم - وهذا مجمعٌ على بطلانه ولا يحتمله أحد، وإذا سلمنا بأنَّ هذه الآية الكريمة هي جزء من الكتاب الكريم فهي إذاً تدل على أنَّ الكتاب الكريم محفوظٌ حتى من اختلال ظواهره.

وبهذا يتضح أنَّ جميع هذه الأدلة السبعة التي ذكرها الإخباري على عدم حجية ظواهر الكتاب الكريم قابلة للمناقشة.

النقطة الثالثة: - كيف نثبت الظهور المعاصر لعصر النص؟

ذكرنا في بداية بحث الظواهر أنَّ الكلام يقع ضمن نقاط ثلاث، الأولى اثبات حجية ظواهر الكتاب الكريم في الجملة، والثانية التفاصيل التي ذكرت في حجية الظهور، والثالثة هي أنه كيف نثبت الظهور المعاصر لعصر النص، وقد انتهينا من النقطتين والأوليين ونجث الآن النقطة الثالثة.

والمقصود من الظهور الذي هو حجة ليس الظهور في زماننا فإنه لا ينفع شيئاً بل المدار على الظهور في زمان صدور النصوص، وحينئذٍ لابد وأن نثبت أنَّ هذا الظهور هو ثابتٌ في عصر صدور النص، وبناءً على هذا نقول:- نحن غاية ما يمكننا اثباته هو الظهور في زماننا وأما الظهور في عصر النص فلا يمكن اثباته وبناءً على هذا سوف تكون الروايات بشكلٍ عام وهكذا الكتاب الكريم لا يمكن اثبات حجية ظواهرهما لأننا نلاحظ الظهور الموجود عندنا بعد أكثر من ألف سنة والحال أنَّ المدار في الحجية على ظهور النص في الفترة التي صدر فيها النص فكيف علاج هذه المشكلة؟

قد تعرض صاحب المعالم(قده) إلى الجواب عنها ولكنه لم يتعرض إليها بشكلٍ واضح: - فذكر مثلاً في صيغة ( افعل ) بأنها ظاهرة في الوجوب في زماننا وبضمّ اصالة عدم النقل - أو نعبر باستصحاب القهقرى - يثبت أنَّ هذا المعنى الثابت عندنا هو نفس المعنى الثابت في عصر صدور النص.


[1] السورة مائده، الأية 6.
[2] السورة حجر، الأية 9.