45/12/01
الموضوع: - الدليل الثالث والرابع والخامس للإخباري على عدم حجية ظواهر الكتاب والرد عليها - النقطة الثانية (تفاصيل حجية الظهور) - حجية الظهور - مبجث الظن.
الدليل الثالث: - قد وردت روايات متعددة تنهى عن تفسير القرآن الكريم بالرأي، ومادام لا توجد رواية تفسر القرآن الكريم فالأخذ بظاهره يكون من التفسير بالرأي وهو لا يجوز.
وجوابه واضح: -
أولاً: - إنَّ المنهي عنه في هذه الروايات هو التفسير ومن الواضح إنَّ حمل الكتاب على ظاهره ليس تفسيراً، فمثلاً قوله تعالى: - ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج ﴾[1] ، فهذا المعنى واضح ومن أخذ بظهوره لا يقال له أنه فسّره.
ثانياً: - إنَّ المنهي عنه هو التفسير بالرأي وأما مطلق التفسير فليس منهياً عنه، والمفروض في باب الظواهر أنه لا يوجد إعمالٌ للرأي حتى يكون منهياً عنه ومحرم وإنما هو أخذ بالظاهر، وعليه فحتى لو سلمنا بأنَّ الأخذ بالظاهر هو تفسير ولكن ليس كل تفسير منهي عنه وإنما المنهي عنه هو حصة خاصة منه وهي التفسير بالرأي لا الأخذ بالظاهر.
ومما يؤكد ويؤيد أنَّ الأخذ بالظاهر ليس تفسيراً أو على الأقل ليس تفسيراً بالرأي هو الروايات الدالة على عرض الشروط والأخبار على الكتاب الكريم فما وافق الكتاب أخذنا به وما خالفه طرحناه وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا كان الظهور حجة وإلا فكيف نراجع الكتاب الكريم ونلاحظ الخبر أو الشرط هل يوافقه أو لا يخالفه فإنَّ هذا لا يمكن إلا بناءً على حجية ظواهر الكتاب الكريم.
الدليل الرابع:- إنَّ في الكتاب الكريم معانٍ دقيقة مثل قوله تعالى:- ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾[2] ومادام يشتمل على مثل هذه المعاني الدقيقة فلو اردنا أن نتدخل ونأخذ بظواهره فيصير حالنا حال السوقي الذي يأتي إلى كتاب كفاية الأصول أو كتاب الرسائل ويناقش في ظاهر كلام الشيخ الآخوند أو الشيخ الأنصاري ويقول انهما يقصدان كذا وليس كذا والحال أنّه ليس له الحق في هذا الفهم لأنه ليس من طلبة العلم المطلعون على هذه الكتب، وعليه فمادام في الكتاب الكريم مطالب دقيقة فلا يمكن لنا الأخذ بظواهره ومثلنا اتجاه تلك الظواهر مثل ذلك السوقي.
ويرده:- صحيحٌ أنَّ الكتاب الكريم يشتمل على معانٍ دقيقة ولكنها جاءت بألفاظ واضحة وبسيطة يمكن فهما من قبل عامة الناس وهذا هو الاعجاز، والامثلة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى:- ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور ٍ﴾[3] ، فكل من يسمع هذه الآية الكريمة يفهم منها هذا المعنى الواضح، ومنها قوله تعالى:- ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾[4] فإنَّ معناها واضح جداً فأنت أيها الانسان لا تستطيع أن تخرق هذه الأرض البسيطة ولن بلغ طول الجبال، ومنها قوله تعالى:- ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا﴾[5] وهذا مطبب ظريف جداً بُيَّن بعبارة بسيطة، ومنها قوله تعالى:- ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[6] ، ومنها قوله تعالى:-﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾[7] ، فلا تقل كل مرة أنا انسان جدّي بل الله هو الذي يزكي الانفس وهذا معنىً دقيق لا يلتفت إليه الاكابر ولكن القرآن الكريم أتى به بعبارة بسيطة، ومنها قوله تعالى:- ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾[8] ، يعني صحيح أنَّ الانسان قد يصلي ويصوم ويعمل الصالحات ولكنه لا يستطيع أن يجزم بأنه سوف يدخل الجنة بل هذا الأمر غير معلوم فإنَّ المؤمن مهما بلغ لا يستطيع أن يجزم بذلك وإنما الأمر بيد الله تعالى، ومنها قوله تعالى:- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾[9] ، ومنها قوله تعالى:- ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًاً﴾[10] ، ومنها قوله تعالى:- ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُون َ﴾[11] ، فجميع هذه المعاني هي معانٍ عالية لكن القرآن الكريم بينها بألفاظٍ بسيطة يعرفها أي انسان عادي.
الدليل الخامس: - إنَّ القرآن الكريم وإن كان يمكن معرفة ظهوره ولكن لا يجوز العمل بهذا الظهور لكثرة المخصَّصات والمقيدات الطارئة، فلو أراد أحدٌ أن يأخذ بظهورٍ ما في العموم فلا يصح له ذلك إذ لعله يوجد مخصّص لهذا العموم.
والجواب: -
أولاً: - نحن لو أردنا أن نأخذ بالظهور فلا نأخذ به قبل الفحص عن المخصَّص والمقيد وإنما نأخذ به بعد الفحص عنهما وعدم وجودهما، وإذا لم تقبل بهذا في ظهور الكتاب الكريم فسوف يأتي نفس هذا الاشكال على السنَّة الشريفة أيضاً لأنه قد طرأ عيها الكثير من المخصَّصات فيلزم من عدم جواز العمل بظواهر عمومات الكتاب الكريم عدم جواز العمل بظواهر عمومات السنَّة ومطلقاتها أيضاً والجواب فيها هو الجواب في ظواهر الكتاب، وعليه فسوف يثبت حجية ظواهر الكتاب الكريم.
مضافاً إلى وجود روايات تدل على لزوم ارجاع الأخبار والشروط إلى كتاب الله عزَّ وجل فما خالف الكتاب فهو زخرف ولا يمكن الارجاع إلى الكتاب إلا إلى ظواهر الكتاب والسنَّة الشريفة حتى نعرف مخالفة الشروط والاخبار أو موافقتها لهما وهذا معناه أَّن ظواهر الكتاب الكريم حجية وإلا لم يرجعنا المعصوم عليه السلام إلى ظواهر الكتاب الكريم.