45/11/23
الموضوع: - التفصيل الخامس في حجية الظهور - النقطة الثانية ( تفاصيل حجية الظهور ) - حجية الظهور - مبجث الظن.
ثم ذكر الشيخ الأعظم(قده) وجهين لنفي حجية الظواهر كلام الائمة عليهم السلام في حقنا: -
الوجه الأول: - إنَّ ديدن أهل البيت عليهم السلام كان هو اعتماد على القرائن المنفصلة، ومن المعلوم أنّ اصالة الظهور تنفع لنفي القرائن المتصلة بسبب الغفلة عنها حيث لم يلتفت إليها السامع بسبب غفلته، فأصالة الظهور وحجية الظهور تنفي احتمال خفاء القرينة بسبب الغفلة، وأما القرائن المنفصلة فأصالة الظهور لا تنفيها.
الوجه الثاني: - إنَّ أخبار أهل البيت عليهم السلام قد طرأ عليها التقطيع وقد نقلت إلينا مقطّعةً ولم تنقل بكاملها، ومن الواضح أننا نحتمل وجود قرينة في القسم الذي اقتطع وفُصِل، وبناءً على هذا سوف يكون ما افاده الفاضل القمَّي(قده) له وجاهة.
هذه ثلاثة أمور ذكرها الشيخ الأعظم(قده) في صالح ما ذهب إليه الشيخ القمي(قده)، الأول احتمال القرنية العهدية، والثاني إنَّ ديدن أهل البيت عليهم السلام الاعتماد على القرائن المنفصلة، والثالث طرو التقطيع على اخبار أهل البيت عليهم السلام.
وقد أورد العلمان الشيخ النائيني والسيد الخوئي(قده) على ما أفاد الشيخ الأعظم(قده) أولاً من احتمال وجود قرينة عهدية بين الامام وبين زرارة مثلاً وتلك لا نافي لها - :- بأنه يوجد عند العقلاء أصلان الأول اصالة الظهور والثاني أصالة عدم الغفلة وليس الموجود عندهم اصالة عدم الغفلة فقط حتى يقال إنَّ القرائن العهدية أو الحالية لا يلتفت إليها الطرف لا من جهة الغفلة بل من جهة أنها عهدية أو حالية وأصالة عدم الغفلة لا تجري هنا، بل نفول يوجد اصلان اصل الظهور وأصالة عدم الغفلة فإذا لم يمكن التمسك بأصالة عدم الغفلة في ردَّ القرينة الحالية أو العهدية أمكن الاستناد إلى اصالة الظهور.
نقول: - إنَّ وجود هذين الأصلين عند العقلاء شيء لا تبعد وجاهته فليس الموجود هو اصالة عدم الغفلة فقط حتى يقال إنَّ هذا لا ينفي القرينة العهدية أو الحالية، ومع وجود هذين الاصلين يمكن حينئذٍ يتمسك بأصالة الظهور.
ولكن نقول:- إنَّ مجرد دعوى وجود هذين الاصلين عند العقلاء لا ينفع ما لم يتم اثباته، وفي مجال الاثبات يمكن أن يقال إنَّ الاعتماد على القرائن الحالية أو العهدية ليس هو الحالة الشائعة عند العقلاء وإنما هو شيء قليل، وعلى هذا الأساس يمكن أن يقال إنَّ العقلاء يبنون على اصالة عدم القرينة باعتبار أنَّ القرينة العهدية أو الحالية هي حالة شاذَّة أو قليلة، ومما يدعم ما نقول أنه لو جيء للفقيه بورقة كتبت فيها وقفية أو وصية دار أو حسينية فيقولون له لاحظ هذه الورقة ماذا تتقضي فلو اخبرهم بماذا تقتضيه هذه الورقة فسوف يعملون على أساسه، أو أنهم يأتون بها إلى عقلاء القوم فيلاحظون ما هو الظاهر منها، وهذه حالة عقلائية شائعة فإنهم يأخذون بظاهر الكلمات المكتوبة في هذه الوصية أو الوقفية ولا يبرز أحد منهم احتمال وجود قرينة عهدية أو حالية خاصة اعتمد عليها الواقف أو الموصي فيما بينه وبين الموقوف عليهم أو الموصى لهم، ولذلك حينما يحصل نزاع بين الأطراف فإنهم يأتون بورقة الوقفية أو الوصية فتقرأ ويؤخذ بمقتضى ظاهرها ولا يحتمل أحد وجود قرائن عهدية أو حالية اعتمد عليها الكاتب، وعليه فما أفاده العلمان بنفسه شيء وجيه.
على أنه يمكن أن يقال: - إنَّ الأئمة عليهم السلام حينما كانوا يتكلمون مع الطرف ليس قصودهم افهام للطرف السائل فقط وإنما يقصدون التحدث مع الأجيال الشيعية على مدى الخط، ويريدون وصول هذا التراث إلى الاجيال اللاحقة ولا يختص بمن يتحدثون معه فقط كزرارة ومحمد بن مسلم، بل زرارة ومحمد بن مسلم هم وسائط للإيصال إلى الأجيال اللاحقة، ومن هنا قال الامام الصادق عليه السلام: - ( بشر المخبتين بالجنة بريد بن معاوية العجلي، و أبو بصير بن ليث البختري المرادي، و محمد بن مسلم، و زرارة، أربعة نجباء أمناء اللّه على حلاله و حرامه، لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة و اندرست)[1] وهذا معناه أنَّ الامام عليه السلام كان يقصد التحدث مع جميع الأجيال لا مع الذين يكلمهم بالخصوص.
على أنه يمكن أن يقال: - حتى لو سلَّمنا بأنَّ المقصود بالإفهام كان هو زرارة أو محمد بن مسلم ولكن مع ذلك نقول إنَّ هذا لا يضر بالتمسك بأصالة الظهور لأنَّ زرارة حينما يتكلم ويخبر الطرف الآخر فلابد وأنه ينقل إليه القرائن الموجودة في مجلس الحديث فإنَّ هذا هو مقتضى أمانة النقل، وكذلك الراوي والثاني حينما ينقل الرواية إلى ثالث يلزم أن ينقلها إليه مع كامل قرائنها ... وهكذا الحال إلى أن تصل إلينا يداً بيد فتكون قد وصلت إلينا مع كامل قرائنها، فإذا وصلت إلينا ولم يكن معها قرائن امكن التمسك آنذاك بأصالة الظهور لنفي القرائن.