الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/11/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التفصيل الثاني والثالث في حجية الظهور - النقطة الثانية ( تفاصيل حجية الظهور ) - حجية الظهور - مبجث الظن.

التفصيل الرابع: - التفصيل بين اكتناف الظهور بأمرٍ مرفوض وغير مقبول وبين عدم اتصاله بذلك، فإذا اتصل بما هو مرفوض فحينئذٍ لا يكون حجة، وإذا لم يتصل بما هو مرفوض فسوف يكون حجة. أو قل بعبارة أخرى: - هل الاتصال بالمرفوض يؤثر على حجية الظهور أو لا؟، ونذكر لذلك مثالين حتى يتضح المطلب: -

المثال الأول: - صحيحة أبي بصير فإنها قالت: - (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: - الكذبة تنفض الوضوء وتفطر الصائم. قلت: - هلكنا، قال: - ليس حيث تذهب إنما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام)[1] ، فإنها اشتملت على أنَّ الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم، أما أنها تفطر الصائم فهذا قد وجهه الامام عليه السلام بما إذا كانت الكذبة على الله تعالى وعلى ورسوله والأئمة عليه وعليهم أفضا الصلاة والسلام، وأما أنها تنقض الوضوء فهذا لم يقل به أحد من الفقهاء.

هذا ولكن بعض الاعلام التزم بفكرة التفكيك بين فقرات الرواية في الحجية حيث قال نحن نلتزم بذلك في الصائم فإنَّ الكذبة على الله ورسوله والائمة المعصومين تُعَدُّ مفطراً وأما الوضوء فلا، وممن ذهب إلى ذلك الشيخ الطوسي(قده) في تهذيبه[2] ووافقه العلمان السيد الحكيم(قده) في مستمسكه[3] والسيد الخوئي(قده) في مستند العروة[4] .

المثال الثاني: - موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام: - (سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال:- إذا أتي عليه ثلاث عشرة سنة فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم )[5] ، فإنها اشتملت على ما لا يمكن قبوله وهو بلوغ الغلام بثلاثة عشر سنة وهذا حكم لا يقول به الاصحاب فهل نفكك بين مداليل الرواية كما هو مبنى السيد الحكيم والخوئي والشيخ الطوسي أو نبني على حصول الإجمال في مثل هذه الحالة كما ذهب إليه الشيخ الهمداني(قده) في مصباح الفقيه[6] ؟ لعل ما ذهب إليه الشيخ الهمداني هو المناسب؛ إذ مادامت الرواية قد اشتملت في بعض فقراتها على ما لا يقول به الاصحاب فسوف تسقط فقراتها الأخرى عن الاعتبار والوجه في ذلك هو أنَّ المدرك المهم لحجية الظهور هو السيرة العقلائية وليس من الواضح أنَّها تبني على التفكيك بين فقرات الرواية في مثل هذه الحالة، فلو فرض أنَّ شخصاً جاءنا وأخبرنا بعدّة اخبارات وكان أحدها كاذباً جزماً فليس من الواضح انعقاد السيرة على التفكيك بين إخباراته بأن يؤخذ ببقة الاخبارات ويترك الخبر الذي ثبت كذبه فيه فقط.

والخلاصة: - إنَّ مدرك من قال بالتفكيك هو أنَّ هذه مجموعة حجج وسقوط بعضها عن الحجية لا يلازم سقوط بعضها الآخر عن الحجية، ومدرك من قال بالسقوط في الجميع هو أنَّ مدرك حجية الظهور هو السيرة العقلائية وانعقادها على التفكيك في مثل هذا المورد أمر يصعب الجزم به وهذا المقدار يكفي لسقوط الظهور - يعني بقية الظهورات التي لم يثبت من الخارج كذبها- عن الحجية لعدم الجزم بانعقاد السيرة على التفكيك والقضية ليست علمية استدلالية وإنما المدرك هو السيرة.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج10، ص33، أبواب ما يمسك عنه الصائم، باب2، ح2، ط آل البيت.
[2] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج4، ص223.
[3] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج8، ص252.
[4] المستند في شرح العروة الوثقى، الخوئي، السيد أبوالقاسم - الشيخ مرتضى البروجردي، ج1، ص129.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص45، أبواب مقدمة العبادات، باب4، ح12، ط آل البيت.
[6] مصباح الفقيه، الهمداني، آقا رضا، ج14، ص378.