الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/11/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التفصيل الثاني والثالث في حجية الظهور - النقطة الثانية ( تفاصيل حجية الظهور ) - حجية الظهور - مبجث الظن.

التفصيل الثاني: - وحاصله التفصيل بين ما إذا كان هناك اضطراب في النقل وبين ما إذا لم يكن هناك اضطراب، ففي الأول لا يكون الظهور حجة في الثاني يكون الظهور حجة.

ومثال حالة الاضطراب:- موثقة ابن بكير[1] حيث ورد فيها:- ( سأل زرارة أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتاباً زعم أنه املاء رسول الله:- إنَّ الصلاة في وبر كل شيء حرامٍ أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله، ثم قال:- يا زرارة هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيءٍ منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح وإن كان غير ذلك مما نهيت عن أكله وحرّم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه )[2] ، فمن الواضح أنه توجد ركاكة في بعض تعابير هذه الرواية، والسؤال:- هل ظواهر مثل هكذا روايات التي يبدو فيها أنَّ الراوي ليس متمكناً من الألفاظ بشكلٍ جيد حجة أو ليست بحجة؟

المناسب أن نقول:- إنَّ ما يستفاد منها بوضوح من دون تأمل فهذا الظهور يكون حجة، من قبيل أنَّ من يقرأ الرواية يصير عنده واضحاً أنّ الصلاة لا تصح في اجزاء ما لا يؤكل لحمه فهنا نأخذ بهذا الظاهر من هذا الجانب ويكون حجة لأنه ظهور واضح لا ارباك فيه، وأما الجوانب الأخرى التي ينتابها الخفاء من قبيل هل أنَّ جواز أكل اللحم شرط أو أنَّ حرمة الأكل مانع، يعني هل يريد الامام عليه السلام أن يبين أنَّ من شرائط صحة الصلاة أن يكون اللباس من اجزاء مما يحل أكل لحمه فهل صحة الصلاة منوطة بحلّية أكل الحيوان أو أنَّ عدم جواز الأكل يكون مانعا ًمن الحكم بصحة الصلاة، فهل الرواية تريد بيان جانب الشرطية أو أنها تريد بيان جانب المانعية؟ إنَّ هذا نتوقف فيه لأنَّ الذي يظهر منها أنَّ الراوي ليست لديه السيطرة التامة على التعابير وعليه فلا نأخذ بظهورها من هذه الناحية ولا تكون حجة في هذا الجانب.

فالمناسب إذاً هو عدم ترك مثل هذه الروايات من رأس، ولا الأخذ بها بشكل كامل، وإنما الأخذ بها نحو التفصيل بين ما إذا كانت واضحة فيه فيكون حجة وبين ما لم تكن واضحة فيه فلا يكون حجة[3] .

التفصيل الثالث: - التفصيل بين ظهور اللفظ في نفسه وبين ظهور الرواية بسبب تجميع القرائن، فإذا كانت الرواية ظاهرة في نفسها في مطلبٍ ما فسوف تكون حجة في ظهورها، وأما إذا كانت ظاهرة بسبب تجميع القرائن فلا تكون حجة.

ومثال الأول: - صحيحة أبي ولّاد التي تقول:- ( ... فقلت له:- أرأيت لو عطب بالغل ونفق أليس كان يلزمني؟ قال:- نعم قيمة بغل يوم خالفته )، فلو نظرنا إلى هذه الفقرة من الرواية نجد أنَّ فيها ظهوراً من زاوية كما أنَّ تأملاً في الظهور من زاويةٍ أخرى، أما الظهور الثابت لها فهو ظهورها في أصل الضمان فإنها واضحة فيه فإنَّ الامام عليه السلام حينما سئل عن الضمان فقال:- ( نعم ) بل لعلّها صريحة في ثبوته، ولكن يوجد تأمل في ظهورها من زاويةٍ من زاوية اخرى وهي أنَّ هذا الضمان الثابت هو يثبت في أي يوم فهل يثبت في يوم المخالفة أو يثبت في يوم الهلاك فإن الرواية فيها خفاء من هذه الناحية فإنها قالت:- ( قال:- نعم قيمة بغل يوم خالفته ) فهي تبين كون المدار على قيمة أي يوم - لأنه قيمة البغل قد تختلف باختلاف الأيام - ؟ فهنا قد يقال إنها تبين كون المدار على قيمة يوم المخالفة - أي يوم الغصب - وفي المقابل قد يقال أنها بصدد بيان أصل الضمان وأما قيمة أيَّ يوم فليست بصدد بيانه، فإن قلنا بأنَّ كلمة ( يوم ) - التي هي ظرف وتحتاج إلى متعلق - تتعلق بكلمة ( قيمة ) فسوف يصير المعنى ( قيمة البغل يوم المخالفة أي يوم الغصب ) فيكون المدار على قيمة يوم المخالفة، وإن قلنا هو متعلق بكلمة ( نعم ) فسوف يصير المعنى ( نعم يلزمك قيمة بغل ) أما في أي يوم فلم تحدده الرواية وإنما هي تثبت الضمان عليه فقط لا أكثر وأما يوم الضمان فمسكوت عنه.

فإذاً قد يفصّل بين ما إذا فرض أنَّ تحصيل الظهور كان يحتاج إلى تجميع قرائن مثل كون المدار على قيمة أيَّ يوم من الأيام والرواية ليست واضحة في ذلك فلا يكون هذا الظهور حجة، وأما بلحاظ الجانب الواضح وهو أصل الضمان فإنها ظاهرة فيه بشكلٍ جلي فحينئذٍ يكون هذا الظهور حجة.


[1] وهو فطحي ثقة.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص345، أبواب لباس المصلي، باب2، ح1، ط آل البيت.
[3] وأما إذا فرض أنَّ الاضطراب كان مسيطراً على الرواية بأجمعها فحينئذٍ لا نأخذ بها بأجمعها ولكن هذا شيء آخر.