الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - اثبات حجية الظهور - حجية الظهور - مبجث الظن.

وبعد الانتهاء من الأمور الأربعة ندخل مبحث اثبات حجية الظهور بنحو القضبة المهملة وفي هذا المجال نقول: - إنَّ استنباط الفقيه للحكم الشرعي من النص يحتاج إلى أربعة أمور: -

الأول: - اثبات أصل الصدور، وأنَّ الرواية قد ثبت صدورها من المعصوم عليه السلام، وهذه مسألة يتكفلها مبحث حجية الخبر.

الثاني: - اثبات أصل الظهور. وأصل الظهور ينشأ من الوضع، والوضع نستكشفه من خلال التبادر وسائر علامات الحقيقة كقول اللغوي أو ما شاكل ذلك.

الثالث: - اثبات حجية الظهور. فحتى لو كان الظهور موجوداً إلا أنه يلزم اثبات حجيته، وهذا هو محل بحثنا الآن فنحن نريد البحث هنا عن حجية الظهور.

الرابع: - اثبات أنَّ أصل الصدور كان لبيان الحكم الواقعي ولم يكن من جهة التقية أو غيرها. وهذا الأمر لا يوجد مبحث اصولي خاص به يثبته وإنما هناك أصل عقلائي يثبته وهو أنَّ الأصل في كل كلام خبري أنه يذكر لبيان الحكم الواقعي وليس لأجل شيءٍ آخر كالتقية وما شاكلها، وهذا أصلٌ عقلائي يبني عليه جميع العقلاء، ولذلك نحن نأخذ بكل خبر إلا إذا تعارض مع خبرٍ آخر أو كان مخالفاً لما عليه معاشر المذهب، وأما إذا لم يخالفه خبر آخر ولم يخالف معاشر الامامية فسوف يحمل على بيان الحكم الواقعي فإنَّ الأصل العقلائي في كل خبرٍ أنه صادر لبيان الحكم الواقعي ما لم يلح من القرائن أنه لم يصدر لذلك.

والمهم من هذه الأمور الأربعة هو اثبات حجية الصدور الذي هو مبحث حجية الخبر؛ إذ لولا حجية الخبر سوف لا نتمكن من اثبات حجية الصدور.

إن قلت: - لنأخذ احكامنا من بالكتاب الكريم فإنه قطعي الصدور.

قلت: - إنَّ أكثر احكامنا مأخوذة من السنَّة الشريفة وليست من الكتاب الكريم، فالمبحث المهم هو مبحث حجية الظهور، ومن أنكر أحد هذين الأمرين أو كليهما - كحجية الخبر مثلاً - فسوف يلزم على رأيه انسداد باب العلم بالأحكام الشرعية لأنَّ أكثر احكامنا مأخوذة من الأخبار. ومن هنا نعرف مدى أهمية مبحث حجية الخبر وحجية الظواهر.

أما الكلام في الخبر وحجيته: - فإنه يذكر في مبحث حجية الخبر.

وأما الكلام في حجية الظهور فنقول:- إنه لا يوجد عندنا دليل شرعي من آية أو رواية تدل على حجية الظهور وإنما الدليل هو انعقاد السيرة على الأخذ بالظهور فإنَّ الانسان العادي حينما يتكلم فسوف نأخذ بظواهر كلامه، وهكذا الحال بالنسبة إلى الامام عليه السلام فإننا نأخذ بكلامه، لأنه إذا لم يكن ظهور الكلام حجة فحينئذٍ لا داعي لأن يتكلم الامام عليه السلام مع أصحابه يجيبهم على ما يسألونه وسوف يكون كلامه بلا فائدة، وعليه فمادام الناس قد جرت سيرتهم على الأخذ بالظواهر فلو لم تكن هذه السيرة صحيحة ومقبولة لدى الشرع للزم ورود الردع المكثف عنها من قبل المعصوم عليه السلام فبعدم وجود الردع يثبت الامضاء

إن قلت: - إنَّ الردع موجود عن هذه السيرة العقلائية فإنَّ بعض الاخبار تدل على الردع؟

قلت: - إنها ليست اخباراً كثيرة، والسيرة على العمل بالظاهر هي سيرة قوية ومستحكمة فلو لم تكن مرضية من الشرع للزوم أن يكون الردع عنها مستحكماً ومكثفاً أيضاً والحال أننا لم نجد كثرة في الردع بمقدار استحكام هذه السيرة وبذلك تثبت حجيتها.

وقد يستدل لحجية الظهور بوجوه أخرى غير سيرة العقلاء: -

الوجه الأول: - ما استدل به السيد الشهيد(قده)[1] وهو سيرة المتشرعة. ببيان: أنَّ أصحاب الامام الهادي والعسكري عليهما السلام واجهوا كماً كثيراً من الروايات عن الائمة السابقين عليهم السلام ولم يكن موقفهم تجاه هذه الاخبار هو الاعراض والرد، ولو كان موقفهم هو الاعراض والرد لأنعكس ذلك على فعلهم ولوصل إلينا لأنَّ هذه ظاهرة مهمة وملفتة للنظر، فعدم نقل ذلك يدل على أنَّ موقفهم لم يكن هو الاعراض وإنما هو الأخذ بها.

وفي التعليق نقول: - نسلَّم أنهم كانوا يعملون بالأخبار التي وردتهم عن الائمة السابقين عليهم السلام ولكن يحتمل أنَّ عملهم بها كان من باب أنهم عقلاء وسيرتهم هي سيرة عقلائية وليست من باب أنهم متشرعة حتى نتمسك بعنوان انعقاد سيرة المتشرعة على العمل بظواهر الاخبار.

إن قلت: - لعل تأكيد السيد الشهيد(قده) على وجود سيرتين هو لأجل الإشارة إلى أنَّ سيرة متشرعة ثابتة حتى بقطع النظر عن سيرة العقلاء، فحتى لو قطعنا النظر عن سيرة العقلاء توجد سيرة متشرعية في زمن الامامين الهادي والعسكري عليهما السلام على العمل بالظواهر.

قلت: - لا يمكن الجزم بأنَّ أصحاب الأئمة عليهم السلام يعملون بظهور الأخبار بما هم متشرعة بقطع النظر عن حيثيتهم العقلائية وطبعهم العقلائي وأنَّ العمل بظواهر الأخبار وصلهم من قبل أهل البيت عليهم السلام، وعليه فلا يمكن دعوى وجود سريرتين عقلائية ومتشرعي؛ إذ نقول لعل المتشرعة الذين عملوا بالظواهر والاخبار لعلهم عملوا بها من باب أنهم عقلاء لا بما هم متشرعة.


[1] دروس في علم الأصول، الصدر، السيد محمد باقر، ج1، ص265.