45/11/06
الموضوع: - هل يكفي في اثبات حجية السيرة العقلائية عدم احراز الردع عنها أو لابد من احراز الردع عنها؟ - مبجث الظن - الدليل العقلي.
اشكال فني: - قد يقال إنَّ سيرة العقلاء لا يمكن جعلها دليلاً على حجية بعض الأمارات كخبر الثقة والظهور فإنَّ الاصوليين عادةً يتمسكون بها على ذلك ويقولون حيث لا ردع عنها فيثبت الامضاء، والاشكال:- صحيح أنَّ العقلاء يتمسكون بالظهور وخبر الثقة ولكنهم يتمسكون بهما في احكام أنفسهم وأما احكام غيرهم فلابد لذلك الغير أن يعيّن ما هو الحجة والمثبت لأحكامه لا أن يأتي شخص آخر ويشخص الحجة على تلك الاحكام، فمثلاً لو كانت عندي احكام فيلزمني أن اجعل الدليل عليها كأن أقول ( إذا جعلته في لوحة الإعلانات الخاصة بي فإني اريدها، أو إذا اخبركم ولدي بها فأنا اريدها )، أما أني اجعل حجةً على احكام الغير -كصديقي مثلاً - فهذا لا معنى له، بل كلّ عاقلٍ له الحق في أن يجعل الحجة على احكام نفسه لا على احكام غيره، فالعقلاء وإن تمسكوا بالظواهر وخبر الثقة في احكامهم ولكن لا يمكن أن تستكشف من حلال ذلك أنه حجة حتى في احكام الشرع لإنَّهم حينما يتمسكون بالظهور أو خبر الثقة هم يتمسكون به في احكام أنفسهم لا في احكام غيرهم، ومعه لا يكون سكوت الشرع عن هذه السيرة العقلائية دالاً على الامضاء؛ إذ هذه سيرة ترتبط بالعقلاء وهي منهم وإليهم وفي فهمنا هم جعلوا هذه الأمور - كخبر الثقة والظهور - حجة على احكامهم ولا يصح أن يجعل العاقل الظهور أو خبر الثقة حجة في أحكام الشرع حتى نقول إنَّ سكوت الشارع يدل على الامضاء.
والجواب واضح حيث يقال: - إنَّ ما ذكر من أنه لا ينبغي للعاقل أن يجعل حجةً بلحاظ احكام الغير بل يجعل الحجة بلحاظ احكام نفسه مقبولٌ ولكن قد يغفل العقلاء في يوم من الأيام ويطبقون سيرتهم في احكام الشرع - وإن كان ليس لهم الحق في ذلك - وعليه فلابد للشرع من باب التحفظ المسبق على احكامه أن يردع عن هذه السيرة من البداية ويقول لا تطبقوا الظهور في احكامي وإنما طبقوه في احكامكم.
أنحاء متعلق السيرة: -
قد يكون متعلق السيرة هو نفس الشيء المطلوب اثباته وقد يكون متعلقها شيئاً آخر.
مثال الأول: - أنَّ نقول قد جرت سيرة أصحاب الائمة عليهم السلام على العمل بالظهور في فهم الكتاب الكريم وكلام الائمة عليهم السلام كما جرت سيرتهم على أنَّ من حاز ملك، فهذه السيرة هي منعقدة بلحاظ نفس الشيء الذي نريد اثباته، فنحن نريد اثبات حجية ظهور الكتاب والسنَّة وهنا سيرة أصحاب الأئمة عليهم السلام قد جرت هي على العمل بظهور الكتاب وظهور كلمات أهل البيت عليهم السلام، وهذا لا بأس به فإنَّ ما نريد اثبات حجيته قد جرت عليه.
مثال الثاني: - ما إذا أردنا اثبات حجية ظواهر الكتاب الكريم فنقول إنَّ سيرة الناس في تلك الفترة كانت جارية على الرجوع إلى المعلقات العشر ويتمسكون بظهورها ويتشهدون بها في مجالسهم ومحافلهم فنحتمل أنه في يوم من الأيام سوف تنسحب هذه السيرة إلى الكتاب الكريم، فهنا ما جرت عليه السيرة غير ما نريد اثبات حجية الظهور فيه، فما جرت عليه السيرة هو التمسك بالظهور في المعلَّقات العشر وأما ما نريد اثبات حجيته فهو ظواهر الكتاب الكريم، وهذه السيرة لا بأس بها ايضاً.