الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأجدر في اثبات وجود السيرة في زمن المعصوم عليه السلام - مبجث الظن - الدليل العقلي.

والاجدر في اثبات وجود السيرة في زمن المعصوم عليه السلام أن يقال: - إن السيرة إما أن تكون ثابتة في زماننا ونرد اثباتها في زمن المعصوم عليه السلام، أو تكون ثابتة في زمن المعصوم عليه السلام ولم تكن ثابتة في زماننا.

أما إذا كانت ثابتة في زماننا: - فيمكن أن نثبت وجودها في زمن المعصوم عليه السلام من خلال بعض اللوازم الباطلة التي يحصل الاطمئنان بسببها بانعقاد السيرة في زمنه أيضاً ونذكر لذلك امثلة: -

المثال الأول: - جريان أصالة الصحة في قراءة إمام الجماعة، فنحن لا نختبر قراءة امام الجماعة أولاً ثم نقتدي به بعد ذلك وإنما السيرة جارية على أنه يصلي والناس تقتدون به من دون أن يختبروا قراءته قبل أن يصلوا خلفه وهذا معناه أنَّ الناس المأمومين يتمسكون من حيث لا يشعرون بأصالة الصحة في قراءة امام الجماعة، وهذه السيرة ثابتة في زماننا ويمكن اثبات انعقادها في زمن المعصوم عليه السلام أيضاً؛ إذ لو كانت السيرة في زمن المعصوم عليه السلام جارية على الفحص عن قراءة امام الجماعة وعدم الاقتداء به إلا بعد الفحص وحصول الاطمئنان بصحة قراءته لكانت هذه ظاهرة ملفتة للنظر ولاستدعت النقل بل كان على المعصوم عليه السلام أن ينبَّه على لزوم اختبار قراءة امام الجماعة قبل الاقتداء به حتى يثبت عندنا أنها صحيحة ولكن كل ذلك لم يُنقل إلينا وحينئذٍ سوف يحصل اطمئنان للفقيه بأنَّ السيرة في عصر المعصوم عليه السلام كانت جارية على اجراء أصالة الصحة بلحاظ قراءة امام الجماعة وبالتالي تكون هذه السيرة ممضية بسكوت المعصوم عليه السلام وعدم ردعه عنها.

المثال الثاني: - ما لو شك المكلف أنَّ أعماله السابقة في أوائل بلوغه كصلاته وصومه مثلاً أنها صحيحة أو لا فهنا لا يقول أحد بلزوم اعادتها ولا يحتمل ذلك وهذا معناه أنَّ هذه السيرة ثابتة في زمن العصوم عليه السلام أيضاً؛ إذ لو كان المكلف في زمن المعصوم يعيد صلاته التي صلاها في بداية بلوغه ولا يطبق أصالة الصحة لكان ذلك ظاهرةً مهمة تستدعي النقل فعدم النقل يدل على أنَّ السيرة في زمن المعصوم عليه السلام هي كسيرتنا اليوم.

المثال الثالث: - العمل بالظهور، فقد جرت سيرتنا على العمل به، ويمكن اثبات أن الأمر كذلك في زمن المعصوم عليه السلام أن نقول لو لم تكن السيرة في زمن المعصوم جارية على العمل بالظهور وكانت عندهم سيرة معاكسة - وهي عدم العمل بالظهور - لنقل إلينا فإنَّ مثل هذه الظاهر ملفتة للنظر وتستدعي النقل فعدم النقل يدل على أنَّ سيرتهم هي نفس يسرتنا في هذا الزمان فيثبت وجودها في زمن المعصوم عليه السلام.

وأما إذا لم تكن ثابتة في زماننا وكانت ثابتة في زمن المعصوم عليه السلام: - فيمكن اثبات امضاؤها أيضاً، ومن امثلة ذلك: -

المثال الأول:- قاعدة ( الإسلام يجب ما قبله )، فلو اسلم شخص الآن فلا يطالب بقضاء العبادات التي فاتته أيام كفره أو يلزمه دفع الدية أو عليه القصاص إذا كان قاتلاً، وهذه السيرة ليست موجودة في زمامنا ولكنها ثابتة جزماً في زمن المعصوم عليه والسلام وإلا لنقل إلينا العكس بأنَّ كل واحدٍ يسلم فولي المسلمين يطبّق عليه تلك الاحكام الشرعية والحال أنَّ التاريخ لم ينقل إلينا أن الموقف كان هكذا مع من يسلم في عهد المعصوم عليه السلام فيدل ذلك على أنَّ السيرة في زمن المعصوم عليه السلام جارية على أنَّ من أسلم لا يؤاخذ على أعماله السابقة على الإسلام وإنما يُغضّ النظر عنها ولا شيء عليه، فهذه السيرة هي ممضاة أيضاً رغم أنها ليست ثابتة في زماننا؛ إذ لو لم تكن ممضاةً وكانت السيرة جارية على شيءٍ آخر لنقل إلينا والحال أنه لم ينقل إلينا العكس فيثبت الامضاء.

المثال الثاني: - الطهارة التبعية، فلو أسلم شخص في زمن المعصوم عليه السلام فلا يقال له عليك أن تطهر ثيابك وبدنك، وكذلك اطفاله يحكم بطهارتهم بالتبعية والمثبت لهذا هو السيرة، لأنه لو كان الذي يُسلِم يُلزَم بتطهير ثيابه وبدنه لنقل إلينا ذلك لأنها ظاهرة ملتفة للنظر، وكذلك الحال في اطفاله إذا لو لم يتبعونه في الطهارة لكان لهم حكماً آخر ولنقل إلينا وما دام لم ينقل إليها العكس فهذا يدل على أنَّ هذه السيرة كانت ثابتة في زمن المعصوم عليه السلام.

نعم هناك بعض السِيَر الجارية في زمن المعصوم عليه السلام لا يمكن اثباتها الآن إلا من خلال النقل ولولا النقل لما أمكن اثباتها، من قبيل دخول الاماء في مجالس الرجال وتقديم الخدمة، فإنَّ الكثير من الخدم كانوا من للإماء وكما هو المعروف أنَّ حجاب الاماء ليس كحجاب الحرائر والحال أنَّ السيرة في زمن المعصوم جارية على عدم أمرهنَّ بالحجاب كالحرائر وغير ذلك من الأمور وعليه فهذا يثبت أنَّ الاماء يجوز النظر إليهن بلحاظ المواضع المكشوفة كاليد والعنق والرجلين وهذا نثبته من خلال السيرة. هذا كله إذا كانت السيرة من باب أنَّ الناس افراد مجتمع بقطع النظر عن الجنبة العقلائية.

وأما إذا كانت السيرة عقلائية فثبوتها في زمن المعصوم عليه السلام يكون أيسر وأوضح، كالسيرة على العمل بظواهر الكلام؛ إذ لو لم تكن هذه السيرة موجودة في زمن المعصوم عليه السلام وكانت توجد عندهم طريقة أخرى بديلة عنها لكانت ظاهرة ملفتة للنظر ولنقل ذلك إلينا فعدم النقل يدل على أنَّ هذه السيرة الموجودة عندنا على العمل بظهور الكلام كانت موجودة في زمن المعصوم عليه السلام أيضاً ولم بتحقق الردع عنها، أو قل:- إنَّ الطبع العقلائي يقتضي العمل بالظواهر فلو لم يكن طبعهم العقلائي في زمن المعصوم عليه السلام مقتضياً للعمل بالظواهر لنقل ذلك إلينا فإنَّ هذه ظاهرة غريبة تستدعي النقل فعدم النقل يدل على أنَّ هذه السيرة الموجودة عندنا هي كانت ثابتة في زمن المعصوم عليه السلام أيضاً.

هذه بعض الطرق والوسائل التي يستعان بها على اثبات انعقاد السيرة في زمن المعصوم عليه السلام.