الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - كيف نحرز أنَّ السيرة الموجود في زماننا هي موجودة في عصر المعصوم عليه السلام حتى يثبت امضاوءها بسكوته؟ - مبجث الظن - الدليل العقلي.

وأما على مبنى الغير فأيضاً لا يجري الاستصحاب لإمكان دعوى الانصراف حيث نقول إنَّ روايات الاستصحاب قالت: - ( فليس ينبغي لك أن تقض اليقين بالشك )، وتعبير ( ليس ينبغي ) يدل على أنَّ هذا مطلب عقلائي من دون أن يحتاج إلى تنبيهٍ من الشرع، والمطلب العقلائي هو الاستصحاب المتعارف لا استصحاب القهقرى، وعليه فلا يمكن الحكم بحجية استصحاب القهقرى.

نعم خرج من ذلك مورد واحد وهو باب اللغة فإنَّ استصحاب القهقرى فيه حجة، فلو فرض أننا كنّا نفهم من الرواية معنىً معيناً في زماننا فنقول إنَّ نفس هذا المعنى هو ثابت في زمن النص أيضاً باستصحاب القهقرى، والدليل على أنَّ استصحاب القهقرى يجري في هذا المورد هو أنه يلزم من عدم حجيته في هذا المورد عدم امكان الاستفادة من الكتاب الكريم والسنّة الشريفة، فلا يمكن الاستفادة جميع الكتب والاحاديث التي وصلتنا عن النبي وأهل بيته عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام لأننا سوف نفهما على طبق المعنى الموجود عندنا ولا نعلم ما هو المراد منها في زمن النص، فإذا لم يجر استصحاب القهقرى ويثبت لنا أنَّ المعنى الموجود عندنا هو نفسه كان ثابتاً في عصر النص لما أمكن الاستفادة من الكتاب الكريم وجميع ما هو قديم من الاحاديث الشريفة عن المعصومين عليهم السلام.

هذا مضافاً إلى أنَّ الكتاب الكريم والسنَّة الشريفة قد أمضيا استصحاب القهقرى، فإنَّ الكتاب الكريم أمرنا بالرجوع إليه إلى يوم القيامة، وكذلك السنةّ الشريفة أمرت بذلك فقالت: - ( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً )، فيلزم الرجوع إلى الكتاب الكريم والعترة الطاهرة والتمسك بهما فإذا لم يكن استصحاب القهقرى حجة هنا فلا يمكن حينئذٍ التمسك بهما فإننا نتمسك بهما حسب ما نفهمه منهما الآن، وعليه فيثبت أنَّ استصحاب القهقرى حجة في هذا المورد فقط - أي في اثبات المعاني اللغوية فقط - وأما ما سواه من الموارد فلا يكون حجة والسبب في ذلك هو القصور في المقتضي، لأنَّ روايات ( لا تنقض اليقين بالشك ) هي شاملة للاستصحاب المتعارف فقط ومنصرفة عنه.

بل حتى لو سلمنا شمول روايات الاستصحاب له ولكن نقول إنَّ هذا لا ينفع؛ إذ غاية ما يثبت باستصحاب القهقرى هو أنَّ هذه السيرة الثابتة في زمانا هي ثابتة أيضاً في زمان النص - هذا لو سلمنا بعدم ورود اشكال الأصل المثبت عليه - ولكن كيف نثبت أنها ممضاة ولا ردع عنها فإنَّ مجرد اثبات كونها موجودة حتى في ذلك الزمان بمقتضى استصحاب القهقرى لا يثبت حجيتها فإنَّ حجيتها تثبت بالإمضاء ولا يمكن اثبات امضاؤها بنفس هذا الاستصحاب لأنه أما أن يكون من باب الأصل المثبت وهو ليس بحجة أو أنَّ اثبات الامضاء بهذا الاستصحاب لا معنى له لأنَّ الاستصحاب لا يثبت عدم الردع، وعليه فتبقى هذه السيرة من دون مثبتٍ لعدم الردع عنها حتى تكون حجة بعد فرض أنَّ الأثر المذكور - وهو عدم الردع - ليس أثراً شرعياً وإنما هو أثر عادي، وعليه فاستصحاب السيرة لا يمكن جريانه.