45/10/28
الموضوع: - كيف نحرز أنَّ السيرة الموجود في زماننا هي موجودة في عصر المعصوم عليه السلام حتى يثبت امضاوءها بسكوته؟ - مبجث الظن - الدليل العقلي.
كيف نحرز معاصرة السيرة لزمن المعصوم عليه السلام؟
عرفنا فيما سبق أنَّ السيرة إذا كانت سيرة متشرعية فحينئذٍ لا تحتاج إلى الامضاء لأنَّ نفس كونها متشرعية فمعنى ذلك أنها قد أخذت من الشرع، وإنما الكلام في سيرة العقلاء فإنها تحتاج إلى الامضاء فكيف نحرز أنَّها معاصرة لزمن المعصوم عليه السلام حتى يثبت امضاؤها من خلال سكوته عنها؟
وبكلمة أخرى: - إذا كانت توجد سيرة في زماننا فهي لا تكون حجة إلا إذا كانت ثابتة في عصر المعصوم عليه السلام أيضاً؛ إذ لو كانت ثابتة في عصره ولم يوجد ردع عنها فسوف يثبت بذلك امضاؤها وتكون حجة، وأما إذا كانت ثابتة في زماننا فقط ولا ندري أنها ثابتة في زمنه عليه السلام أو لا حتى يكون سكوته امضاءً لها فهذه السيرة لا يمكن الأخذ بها، وعليه فكيف نثبت أنَّ السيرة الموجودة عندنا هي معاصرة لزمن المعصوم عليه السلام حتى يثبت بذلك امضاؤها وبالتالي تثبت حجيتها؟
وفي هذا المجال نقول: - تارة تكون السيرة ثابتة في زماننا جزماً ونريد اثبات أنها موجودة في زمن المعصوم عليه السلام أيضاً حتى يثبت امضاؤها بسكوته عنها، وأخرى لا تكون ثابتة في زماننا.
أما السيرة الثابتة في زماننا فهي مثل قاعدة الصحة فإنها جارية في زماننا جزماً، فكل مكلف إذا اكمل عملاً ثم شك في صحته فسوف يبني على صحته، وكذا الحال إذا شك في أنَّ قراءة امام الجماعة صحيحة أو لا فسوف يبني على صحتها فإنَّ السيرة جارية على الحكم بصحة قراءة امام الجماعة، وهكذا الحال إذا صدرت مني اعمال في فترةٍ سابقة ثم شككت في صحتها بعد ذلك فسوف أبني على الصحة ولا اعتني لهذا الشك كما لو صليت سابقاً ثم شككت في صحة هذه الصلوات فسوف ابني على صحتها، وهكذا الحال في السيرة على العمل بالظهور وخبر الثقة فإنَّها ثابتة في زمانا جزماً ونريد اثباتها في زمن المعصوم عليه السلام كي يثبت بذلك امضاؤها وحجيتها حيث لا رع عنها إذا لو كان الردع موجوداً لوصل إلينا وحيث لم يصل إلينا ردع فبثبت امضاؤه. ولكن كيف نثبت أنَّ هذه السيرة ثابتة في زمن المعصوم عليه السلام؟
يمكن أن يذكر تقريبين لذلك: -
التقريب الأول: - إنَّ السيرة إذا كانت جارية في زمن المعصوم على شيءٍ آخر غير ما جرت عليه في زماننا لنقل ذلك إلينا تاريخياً فإنه حدث ملفتٌ للنظر، فعدم النقل للخلاف يدل على أنَّ ما هو ثابت في زماننا هو ثابت أيضاً في زمن المعصوم عليه السلام وبذلك يثبت أنَّ السيرة الموجودة عندنا هي ليست سيرة حادثة وإنما هي ثابتة من زمن المعصوم عليه السلام أيضاً ولم تتبدل وإلا لنقل ذلك إلينا خصوصاً وأنَّ بعض المؤرخين ينقلون حتى الأشياء الجزئية فعدم نقلهم لذلك يدل على كونها سيرة واحدة حتى في زمن المعصوم عليه السلام وبذلك يثبت امضاؤها.
ولكن نقول: - إنَّ هذا وجيه فيما إذا حصل التغير فجأة فإنَّه سيكون حدثاً ملفتاً للنظر ويستحق النقل والتسجيل، ولكن تغير السيرة عادةً يكون تدريجياً والتغير التدريجي لا يقتضي الالتفات والنقل لأنه ليس بظاهرةٍ ملفتةٍ للنظر.
التقريب الثاني: - التمسك باستصحاب القهقرى، وهو أن نفترض أنَّ الحالة واضحة وثابتة في زماننا ولكن لا ندري هل الأمر كان كذلك في زمن المعصوم عليه السلام أو كان عندهم بطريقة أخرى فنستصحب الحالة الثابتة في زماننا إلى زمان المعصوم عليه السلام ونقول إذا كانت هذه السيرة ثابتة في زماننا فباستصحاب القهقرى نثبت أنها ثابتة وجارية في زمن المعصوم عليه السلام فيثبت امضاؤها.
ويمكن الرد على ما ذكر ببيانين: -
البيان الأول: - أن يقال إنَّ استصحاب القهقرى لا دليل على حجية - وحينئذٍ لا يمكن استصحاب السيرة الثابتة في زماننا إلى زمن المعصوم عليه السلام - والسبب في كونه ليس بحجة رغم كون روايات الاستصحاب مطلقة حيث قالت:- ( لا تنقض اليقين بالشك ) واطلاقها كما يشمل حالة ما إذا كان اليقين سابقاً والشك لاحقاً كذلك يشمل حالة العكس أيضاً هو أنه يمكن أن يقال إنَّ هذه الروايات لا يمكن التمسك بإطلاقها على مبنانا في باب الاطلاق لإثبات حجية هذا الاستصحاب فإننا قد اشترطنا في حجية بالإطلاق وجود الاستهجان لو أراد المتكلم احد الفردين من دون أن ينصب قرينة كما لو قال ( اعتق رقبة ) ولم يقيد بالمؤمنة فلو كان يريد خصوص المؤمنة فسوف يستهجن منه ذلك ويطالب بنصب القرينة عليها فعدم التقييد هنا يستفاد منه الاطلاق فيكون حجة، وإما إذا لم يستهجن الاطلاق رغم إرادة المقيد ففي مثل هذه الحالة لا يمكن التمسك بالإطلاق ولا ينعقد، ومن هذا القبيل ما لو قلت لك اشترِ لي رغيف خبزٍ مع قطعةٍ جبنٍ وأنت جئت لي بخبزةٍ نصفها محترق وجبنة تالفة تمسكاً بالإطلاق فهنا لا يجوز التمسك بهذا الاطلاق بل يحمل على الفرد المعيَّن - وهو رغيف الخبز وقطعة الجبن السالمين - لأنَّ الاطلاق في مثل هذه الحالة لا يستهجن ومادام لا يستهجن فلا يمكن حينئذٍ التمسك به، وهكذا الحال بالنسبة إلى مقامنا فإنَّ روايات الاستصحاب صحيح أنها مطلقة ولكن لو أريد منها الاستصحاب المتعارف لا يستهجن منها ذلك، وعليه فلا يمكن التمسك بإطلاقها لإثبات حجية استصحاب القهقرى وحتى نتمسك به لإثبات كون السيرة الموجودة عندنا هي ثابتة أيضاً في زمن المعصوم عليه السلام.