الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/10/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - هل تعتبر المعاصرة في صحة السيرة؟، وهل يمكن الحكم بشرعية السِّيَر الجديدة - وجه بروز الحاجة إلى التمسك بالسيرة - النقطة الثانية (الكلام في مرحلة وقوع الحجية للظن) - مبجث الظن - الدليل العقلي.

هل تعتبر المعاصرة في صحة السيرة؟

والجواب: - ذكرنا أنَّ السيرة إذا كانت عقلائية فيلزم أن تكون معاصرة لعهد المعصوم عليه السلام حتى يثبت امضاؤها وبالتالي حتى يثبت صحتها وشرعيتها، وأما إذا كان متشرعية فأيضاً يلزم معاصرتها لزمن المعصوم عليه السلام؛ إذ لو لم تكن معاصرة لم تكن متشرعية، لأننا حينما افترضنا أنها متشرعية فلابد وأن تكون مأخوذة من الشرع ولا تكون مأخوذة من الشرع إلا إذا كانت معاصرة لزمن المعصوم عليه السلام ولو بالأخذ منه يداً بيد.

 

هل يمكن الحكم بشرعية السِّيَر الجديدة كحق الطبع أو حق النشر أو لا يمكن ذلك؟

والجواب: - إنه لا يمكن الحكم بشرعيتها، لأنَّ حق الطبع أو حق النشر لم يكن ثابتاً في عهد المعصوم عليه السلام حتى نقول إنَّهما كانا موجودين في زمن العصومين عليهم السلام وقد سكتوا عنهما حتى نستكشف من سكوتهم الامضاء، وعليه فلا يمكن اثبات شرعية مثل هذه السِّيَر من خلال عدم الردع من قبل الشرع لأنها أمور حادثة ولم تكن معاصرةً لزمن المعصوم عليه السلام.

ولكن يمكن أن يقال باعتبار هذه السِّيَر من باب آخر: - وهو أنَّ والي المسلمين يفرض حق النشر أو حق الطبع وإلا يلزم من ذلك الفوضى في باب الطبع والنشر، فنحن نجزم بأنَّ الإسلام لا يريد الفوضى في أيّ أمر من الأمور وعليه فمن كان مبسوط اليد من ولاة المسلمين - ولو الحاكم الشرعي - يمنع من مخالفة حق الطبع أو النشر لمنع الفوضى التي لا يريدها الإسلام.

وقد يقال:- يمكن أن نثبت شرعية السير الجديدة كحق الطبع أو النشر ببيان حاصله:- إنَّ وظيفة الامام عليه السلام هو حفظ الشريعة إلى يوم القيامة، فكل سيرة إذا كانت مرفوضة شرعاً يلزم الردع عنها ولكن لا بعنوانها كحق الطبع أو النشر وإنما من خلال عمومٍ من العمومات، فيصدر الامام عليه السلام عموماً يشمل بسعته أمثال هذه الأمور وإلا يلزم نقصان الشريعة لأنها لم تبين رأياً في باب حق النشر أو الطبع، وعليه فيلزم أن يكون للشريعة رأي في هذا المورد وذلك بأن يصدر من المعصوم عوماً من العمومات يشمل مثل هذه الموارد.

وفي الجواب نقول:- إنَّ ما ذكر صحيح ولكن لا يلزم أنَّ يصدر الشرع عاماً فإنَّ بيان الحكم الشرعي لا ينحصر بهذا الطريق وإنما يوجد طريقٌ آخر وهو الرجوع إلى ما تقتضيه الأصول والقواعد، فتوجد عندنا أصول وقواعد شرعية فنرجع إليها ونلاحظ ما هو المناسب على طبقها وما الذي تحدده لنا، وإذا رجعنا إليها في موردنا فقد يقال إنَّها تقتضي الجواز لأننا نشك في اعتبار كسب الإذن شرعاً من صاحب الكتاب أو عدم اعتباره فنجري أصل البراءة عن إذنه فيثبت بذلك جواز الطبع والنشر من دون الحاجة إلى إذنه.

ولكن رغم ذلك نقول لا يجوز التمسك هنا بأصل البراءة وذلك لنكتةٍ علمية واضحة، وهي أنَّ حديث البراءة هو حديث امتناني، فهو يقول ( رفع ع أمتي ما لا يعلمون ) فإنَّ الرفع يستبطن الامتنان - وكذلك الحال في كلمة ( أمتي ) - فيكون طبع الكتاب من دون رضا صاحبه سبباً لإيذاءً صاحبه وهذا خلاف المنَّة، وعليه فلا يصح التمسك بالبراءة.

وقد يقول قائل: - يوجد حديث آخر يمكن التسمك به في المورد وهو ليس امتنانياً، هو حديث السلطنة فإنَّ ( الناس مسلطون على أموالهم ) - وإذا كان هناك اشكال في سنده فهو عقلائي قبل أن يكون شرعياً - فلو كانت عندي أوراق ومطبعة فأنا مسلط عليهما فلو كان الكتاب مطبوعاً ومنتشراً في الأسواق ولم اسرقه من صاحبه واردت طبعه بأوراقي ومطبعتي فأنا مسلّط على ذلك ويجوز لي هذا الفعل تمسكاً بقاعدة السلطنة، ولا يعدُّ هذا تصرفاً في كتاب الشخص لأنَّ كتابه الذي كتبه بيده هو موجود عنده ولم اسرقه منه.

قلنا: - إنَّ هذا وجيه ولكن إذا رأى حاكم المسلمين أنه سوف تلزم الفوضى من هذا الفعل فسوف يمنع عنه بالعنوان الثانوي دفعاً للفوضى، ومن الواضح أنَّ البلدان تختلف في ذلك فبعضها يلزم فيها الفوضى وبعضها لا يلزم فإن لزم الفوضى ففيه مشكلة وإلا فلا.