الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/10/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - انحاء السيرة - وجه بروز الحاجة إلى التمسك بالسيرة - النقطة الثانية (الكلام في مرحلة وقوع الحجية للظن) - مبجث الظن - الدليل العقلي.

أما السيرة على الحكم الشرعي: - فإن كانت سيرةً عقلائيةً - كالسيرة على أنَّ الحيازة مملِّكة أو أنَّ خبر الثقة حجة - فلا تكون حجة إلا إذا كانت معاصرة لزمن المعصوم عليه السلام كي يكون سكوته امضاءً لها، وأما إذا كانت سيرة متشرعية فلا يشترط فيها ذلك لأنَّ المفروض أنها متشرعية ومعنى كونها متشرعية يعني أنَّ المتشرعة قد عملوا بها وفقاً للشرع فلا حاجة حينئذٍ إلى امضائها من قبل المعصوم عليه السلام لأنها مأخوذة من الشرع وإلا لم تكن متشرعية - يعني يلزم خلف الفرض - وعليه فنفس فرض كونها متشرعية يستبطن قبول الشرع لها وإلا لم تكن متشرعية، وعليه فالذي يحتاج إلى امضاء هو السبرة العقلائية دون السيرة المتشرعية.

ثم إنَّ السيرة العقلائية إذا تمت على حكم الشرعي - والمفروض أنَّ الشرع سكت عنها فيكون سكوته امضاءً لها كما قلنا - فسوف تكون نافذةً في حق الجميع ولا يحق لعضٍ رفضها، فإذا جرت على الأخذ بخبر الثقة مثلاً فيلزم الأخذ بها ولا يحق للبعض رفضها بل يُلزَم الجميع بها مادامت ثابتة في زمن المعصوم عليه السلام، وأما إذا كانت ثابتة على موضوع الحكم أو متعلقه فهنا لا يلزم أن تكون معاصرة لعهد المعصوم عليه السلام، ويتضح ذلك من أمثلتها كعمل الزوجة في بيت زوجها أو اشتراط عدم الغبن في المعاملة فإنَّ هذه السيرة حتى لو كانت متأخرة عن زمن المعصوم عليه السلام ولم تكن ثابتة في عهده إلا أنها نافذة المفعول ولا يحق لأحد مخالفتها، فلو فرض أنَّ السيرة جرت في أحد البلدان على عمل الزوجة في بيت زوجها وكانت ثابتة ومستحكمة ففي مثل هذه الحالة لو تزوجت امرأة في ذلك البلد ورفضت العمل في بيت زوجها لا يقبل منها ذلك بل تلزم بالعمل رغم حصول هذه السيرة بعد زمان المعصوم عليها السلام وذلك لأنها حينما صارت مستحكمة صارت شرطاً ضمنياً والشرط الضمني هو كالشرط الصريح يكون نافذاً في حق الجميع وكأن الزوج قد صرَّح لها وقال أنا اتزوجك بشرط أن تعملي في البيت وهي قبلت بذلك فلو أرادت عدم الالتزام بذلك فلا يحق لها بل عليها الالتزام به لأنه شرط ضمني فكيون نافذاً.

وأما الارتكاز: - فإن كان ارتكازاً على الحكم الشرعي فيشترط في نفوذه أن يكون مقارناً لعصر النص، كاشتراط قصد القربة في الوضوء أو الغسل فإنه قد يصعب تحصيل مدرك لفظي على اعتبار القربة فيهما ولكن المرتكز في أذهان المتشرعة في زماننا ارتكازاً واضحاً اعتبار القربة فيهما، ومن المعلوم أنه لا يحتمل نشوء هذا الارتكاز من دون علة بل لابد أن نكون قد اخذناه من الطبقة المقدمة من المتشرعة وهم أخذوه من الطبقة المتقدمة عليهم والطبقة المتقدمة عليهم أخذته من الطبقة المتقدمة إلى أن نصل إلى أصحاب الأئمة عليهم السلام، يعني أنَّ هذا الارتكاز الموجود عندنا قد أخذ وتُلُقّي من الارتكاز الموجود عند أصحاب الأئمة عليه السلام، وكذلك الارتكاز الموجود عند أصحاب الأئمة قد اخذوه من الأجواء الواضحة في عصر المعصوم عليه السلام - لأن المفروض أنه لا يوجد دليل لفظي وإلا لوصل إلينا - ومادام أصحاب الأئمة عليهم السلام قد تلقوا جواً واضحاً من الأئمة عليهم السلام كان ذلك نافذ المفعول وكان مقبولاً فيثبت هذا الحكم.