الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - وجه بروز الحاجة إلى التمسك بالسيرة - النقطة الثانية ( الكلام في مرحلة وقوع الحجية للظن ) - مبجث الظن - الدليل العقلي.

يوجد فارق آخر بين سيرة العقلاء وسيرة المشترعة:- وهو أنه لو كان هناك عموم أو اطلاق يصلح للردع كالآيات الناهية عن اتباع الظن مثلاً فذلك الرادع إنما يصلح أن يكون رادعاً بلحاظ سيرة العقلاء دون سيرة المتشرعة، بل تكون سيرة المتشرعة مخصِّصة أو مقيدة لذلك الاطلاق أو العموم، فإنَّ حجية سيرة المتشرعة لسيت مقيَّدة فتكون هي المقيد لعموم الآيات الكريمة، بخلاف سيرة العقلا فإنَّ حجيتها مشروطة بعدم الردع وحيث نفترض صلاحية الأيات للردع عنها فلا تكون حجة حينئذٍ.

وبهذا يصح أن نقول إنَّ الآيات الناهية عن العمل بالظن هي رادعة عن سيرة العقلاء المنعقدة على العمل بخبر الثقة فإنَّ حجية سيرة القعلاء مشروطة بعدم الردع، فإذا وجد ردع بسبب الآيات الكريمة فسوف تسقط هذه السيرة العقلاية عن الحجية، نعم إذا كانت السيرة على العمل بخبر الثقة هي سيرة متشرعة فحينئذٍ لا تكون الآيات الكريمة رادعة عنها بل تكون سيرة المشرعة هي المقيِّدة لاطلاق أو عموم الآيات الكريمة وهذه قضية واضحة.

حكم الارتكاز الأوسع من السيرة:-

إذا فرض أنه كانت لدينا سيرة عقلائية معينة كالسيرة على أنَّ من حاز شيئاً ملكه فحينئذٍ تكون حجة مادام لا ردع عنها، ولا أقل إذا فرضنا أنها سيرة متشرعة فهي حجة فإنَّ سيرة المتشرعة أيضاً جارية على أنَّ من حاز السمك أو الشجر أو ماشكلهما ملكه فيثبت بها أنَّ الحيازة سبب للملكية، لكن أي حيازةٍ هي فهل هي حيازة مثل الشجرة والسمك والماء أو أنها تشمل أكثر من ذلك كبئر النفط، فلو فرض أنه بتطور الزمن حصلت حيازة للآبار النفطية أو الغازية كما لو حفر الشخص حفرً فعثر على بئرٍ نفطية فهل جرت السيرة على أن حيازته هنا تكون سبباً للملكية أو لم تجر على ذلك فإنَّ مثل هذه السيرة لم تكن موجودة في زمن المعصوم عليه السلام وإنما السيرة الموجودة في زمانه هي على مثل حيازة الشجر والسمك وما شاكلهما وأما حيازة بئر النفط أو بئر الغاز فليست موجودة فهل مثل هذه الحيازة تكون سبباً لملكية الحائز أيضاً أو لا تكون كذلك؟، فنحن نسلّم بكون الحيازة سبباً للملكية في الشجر والسمك وما شاكلهما لأنَّ السيرة قد جرت على ذلك وأما في مثل بئر النفط والغاز فهل المدار على حجة السيرة الفعلية فقط وما انعقدت عليه بالفعل وهو مثل الشجر والحجر والسمك والماء وما شاكل ذلك أو أنها تكون أشمل منه وتعم بئر النفط والغاز باعتبار أنَّ الارتكاز لا يختص بحيازة السمك والماء وما شاكلهما وإنما هو أوسع من ذلك فيشمل بئر النفط والغاز فكل حيازة لأيّ شيءٍ هي سببٌ للملكيته؟، فهل المدار في السيرة على الفعل أو المدار فيها على الارتكاز فإنَّ السيرة وإن اتقضت كون الحيازة للشجر وأمثاله مملّكة ولكن الارتكاز يقتضي أنَّ كل حيازةٍ تقتضي المليكة سواء كان شجراً أو بئيراً نفطياً أو ما شاكلهما، فهل نقول إنَّ االحيجة للسيرة ثابتة بما انعقدت عليه فيما سبق أو أنَّ المدار على الارتكاز فنقول إنَّ الممضي هو الارتكاز بسعته وليس هو السيرة بقدر ما انعقدت عليه بالعفل في ذلك الزمان؟

والجواب:- وقع كلامٌ في هذا المجال، وهناك احتمالان في المسألة بل قولان، قولٌ بأنَّ المدار هو على السيرة بارتكازها الوسيع فيمضى ذلك الارتكاز الوسيع، وقول آخر بأنَّ السيرة هي بمقدار ما انعقدت عليه بالفعل في زمان المعصوم عليه السلام لا أكثر.

وفي هذا المجال قد يقال:- إنَّ المدار منحصر بما انعفد عليه السيرة بالفعل فقط، ببيان: انه لا يوجد عمل خارجي على حيازة بئر الغاز أو النفط في زمن الامام عليه السلام حتى نستكشف من سكوته وعدم ردعه ثبوت الامضاء.

كما قد يقال:- إنَّ المدار على الارتكاز بسعته، وذلك لأنَّ الامام عليه السلام منصوب للحفاظ على الاحكام، فإذا كانت الحيازة لا تنفع بلحاظ الغاز والنفط وما شاكلهما فمادام الامام عليه السلام حافظاً للاحكام فلابد وأن يردع عن ذلك، نعم لو كان الردع من باب النهي عن المنكر فحينئذٍ لا يجب عليه الردع والنهي؛ إذ لا منكر بالفعل في الخارج حتى ينهى عنه، وأما إذا قلنا إنه حافظ للأحكام فهنا يجب عليه أن يردع، ولو قلت:- كيف يردع عن ذلك والحال أنَّ الغاز والنفط ليس بموجودٍ في زمانه؟ قلنا:- لا أقل هو يردع بهذا اللسان فقول ( الحيازة في الماء وفي الشجر وفي الحجر مملَّكة ) أي مثل هذه الامثلة وحينئذٍ لا يمكن استكشاف الامضاء بشكله الوسيع.

إن قلت:- إنه بناءً على لزوم ردع الامام عليه السلام عن هذا الارتكاز - وهو أنَّ الحيازة مملكة لكل شيء - ولو بأنَّ الحيازة المملكة في الماء والشجر والحجر وما شكلها فقط يلزم عليه أن يردع من الآن أيضاً عن كل قضية مستقبلية مرفوضة بالردع المناسب لها وإن لم يكن لها ارتكاز معاصر لزمنه عليه السلام لأنه حافط لأحكام الشريعة، وهل تلتزم بذلك؟!!