45/10/19
الموضوع: - الوجع الرابع على عدم حجية الامارة - النقطة الثانية ( الكلام في مرحلة وقوع الحجية للظن ) - مبجث الظن - الدليل العقلي.
وجه بروز الحاجة إلى التمسك بالسيرة: -
ذكرنا فيما سبق أنَّ التمسك بالسيرة هي ظاهرة برزت بين المتأخرين وأما المتقدمون فليست موجودة عندهم أو هي موجودة ولكنها بشكلٍ نادر، والسبب في بروزها عند المتأخرين هو أنَّ المتقدمين ذكروا أحكاماً ولم يذكروا لها مدركاً أو ربما يكون المدرك الذي يذكرونه ضعيفاً وحينما وصلت النوبة إلى المتأخرين أخذوا يبحثون عن مدارك قوية لهذا الاحكام، ومن الأمثلة على ذلك قاعدة ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) يعني من وضع يده على مال الآخر كان ضامناً له، أو مثل حجية خبر الثقة فإنَّ القدماء لعلهم تمسكوا لحجيته ببعض الآيات الكريمة أو غيرها ولكن جميع هذه الأدلة قابل للمناقشة فاحتاج المتأخرون إلى التمسك بشيء آخر أقوى وأظهر من تلك الأدلة لإثبات حجية الخبر مثلاً وحينئذٍ شعاع التمسك بالسيرة بكلي قسميها - سيرة العقلاء وسيرة المتشرعة – وحينما عرفوا أنَّ سيرة العقلاء تحتاج إلى دليلٍ ثبت حجيتها قالوا لابد وأن تكون هذه السيرة موجودة في زمن المعصوم لا أنها حدثت في الزمن المتأخر فإذا كانت موجودة في زمان المعصوم وسكت عنها ولم يردع دل ذلك على حجيتها ولذلك اثبتوا الضمان باليد، فالقدماء يتمسكون بحديث ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) والحال أنَّ سنده ضعيف ولكن المتأخرين تمسكوا بالسيرة الموجودة من زمن المعصوم عليه السلام لإثبات ضمان اليد، وكما لو غصب شخص دابتي أو داري أوليس هناك سيرة جارية على الضمان في زمن المعصوم عليه السلام؟!! قطعاً توجد سيرة على الضمان وحيث لا ردع عنها فيثبت الامضاء، فالقدماء اتعبوا أنفسهم وتمسكوا بالآيات الكريمة وقد وحصل بينهم قال وقيل في دلالتها وأنها تامة على حجية خبر الثقة مثلاً أو لا لكن المتأخرون تمسكوا بالسيرة وقالوا إنها جارية على الأخذ بخبر الثقة فلو أخبرك الثقة بأنَّ فلاناً جاء من الحج فسوف تذهب لزيارته اعتماداً على خبر هذا الثقة، وهكذا الحال لو اخبرك الثقة بأنَّ فلاناً مريضاً فإنك ستذهب إلى عيادته، ولا نحتمل أنَّ هذه السيرة حادثة بل هي جارية حتى في زمن المعصوم عليه السلام وحيث لا ردع عنها فيبت بذلك الامضاء.
الفرق بين السيرة والارتكاز: -
الفارق بين السيرة والارتكاز هو أنَّ السيرة تمثل جنبة العمل يعني أنَّ العقلاء والناس يعملون بخبر الثقة، وأما الارتكاز فهو يمثل قضية ثابتة في الذهن لا في العمل الخارجي، ومثال الأول العمل بخبر الثقة، ومثال الثاني سيرة المتدينين على عدم حلق اللحية فهنا نقول إنَّ المرتكز في أذهان المتدينين هو عدم جواز حلق اللحية وقد انعكس ذلك على عملهم وصار سيرةً لهم فهذه السيرة قد حصلت لهم لأنه يوجد عندهم ارتكاز على الحرمة.
وربما تكون مساحة السيرة في حقلٍ معين ضيقة ولكن نوسعها أو نضيقها بالارتكاز: - فمثلاً جرت السيرة على العمل بخبر الثقة بيننا في النجف الاشرف وقد يقول قائل لعل هذه السيرة خاصة بالثقة الموجود في النجف الأشرف ولا تعم الموجود في بلد آخر - كالبلدان الأجنبية - ولكن نقول إنَّ المرتكز في اذهان الذين يعملون بخبر الثقة هو أنَّ كمال الدور هو للوثاقة وليس لنفس الشخص.
ثم إنَّ السيرة على قسمين متشرعية وعقلائية: - والسيرة العقلائية مثل العمل بخبر الثقة فإنَّ العقلاء قد جرت سيرتهم على العمل بخبر الثقة ولا خصوصية لكون الشخص متديناً أو غير متدين مشترعاً أو غير متشرع، وأما سيرة المتشرعة فالمقصود منها أنَّ المتشرعة بما هم متشرعة جرت سيرتهم على هذا العمل مثل عدم حلق اللحية فإنَّ سيرتهم جرت على عدم حلق اللحية بما هم متشرعة ومتدينون، فحيثية الدين هي التي منعتهم من حلق اللحية لا بما هم عقلاء.
ثم إنَّ سيرة العقلاء قد تكون أضيق من الارتكاز لكن الارتكاز يوسعها:- مثل قاعدة ( من حاز ملك ) فإنَّ السيرة كانت جارية سابقاً إلى الآن على أنَّ من حاز شيئاً ملكه ولكن كان متعلق السيرة في الزمن السابق هو مثلاً شجرة أو فلز من الفلزّات أو سمكة وأما الآن فمتعلقها صار أوسع كأن يحوز الشخص بئراً نفطياً وحينئذٍ هذه الحيازة تقتضي ملكية هذا البئر النفطي، فهذه السيرة كانت ضيقة في عصر المعصوم عليه السلام ولكن في زماننا أصبحت أوسع ولعلها تصير أوسع فيما يأتي من الأزمنة وكلما توسعت هذه السيرة ستكون ممضاة أيضاً.
ثم إنه يوجد فارق بين السيرتين: - فإنَّ سيرة العقلاء تحتاج إلى الامضاء، يعني لابد من وجود شيئين حتى تكون هذه السيرة حجة الأول انعقادها ووجودها حتى زمن المعصوم عليه السلام والثاني وإمضاؤها من قبل المعصوم عليه السلام، والامضاء يمكن اثباته من خلال عدم الردع عنها فإنَّ هذه السيرة إذا كانت موجودة في زمن المعصوم عليه السلام وسكت عنها ولم يردع فسكوته يثبت لنا الامضاء، وهذا مثل قاعدة ( من حاز ملك ) فإنها ثابتة بالسيرة الممضاة.
وأما سيرة المتشرعة كما لو جرت سيرة المتشرعة على عدم حلق لحاهم فهي لا تحتاج إلى الامضاء وإنما هي متلقاة يداً بيد من الشرع المقدس وهذا يكفي لشرعيتها وامضائها من دون حاجة إلى التمسك بعدم الردع لإثبات الامضاء.