الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/10/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - النقطة الثانية ( الكلام في مرحلة وقوع الحجية للظن ) - مبجث الظن - الدليل العقلي.

النقطة الثانية: - الكلام في مرحلة وقوع الحجية للظن.

بعد أن ثبت امكان جعل الحجية للظن يقع الكلام بلحاظ مرحلة الوقوع، والكلام فيها يقع في مقامين: -

المقام الأول: - فيما يقتضيه الأصل العملي عند الشك في حجية ظن من الظنون.

المقام الثاني: - الدليل على حجية بعض الأمارات كخبر الثقة والظهور ما شاكلهما.

أما الكلام فيما يقتضيه الأصل:

فالمعروف بين الاصحاب هو أنَّ الأصل عند الشك في حجية أمارة من الامارات يقتضي عدم الحجية، فالحجية هي التي تحتاج إلى اثبات فإذا لم يكن لها مثبت فالأصل حينئذٍ يقتضي عدم الحجية.

بيد أنَّ الشيخ الأعظم(قده) نقل عن السيد المحقق الكاظمي: - أنه يتمسك في المقام بأصالة الاباحة في الأشياء، ولم يعلق على كلامه [1] .

والتعليق على ما ذكره واضح: - فإنَّ التمسك بأصل الاباحة يتم في موارد الشك في حرمة الشيء وعدم حرمته لا في مورد الحجية وعدم الحجية.

كما ذكر الشيخ الأعظم(قده) عن بعضٍ آخر: - انَّ الأصل يقتضي التخيير لدوران الأمر بين الوجوب والحرمة، ولم يعلق عليه أيضاً[2] .

والتعليق عليه واضح أيضاً:- حيث يقال إنما يصار إلى التخيير ويتمسك به فيما إذا دار الأمر بين الوجوب والتحريم الذي هو بمعنى الدوران بين الوجوب التكليفي والحرمة التكليفية كما لو علمنا بان هذا الشيء إما واجب تكليفاً أو محرم تكليفاً فهنا سوف يحكم العقل بالتخيير؛ إذ لا مرجح لأحد الاحتمالين على الآخر وترجح الحرمة مثلاً أو بالعكس لا معنى فيصار إلى التخيير حينئذٍ، فما ذكر تام هذا في الاحكام التكليفية لا ما إذا دار الأمر بين الحجية وعدم الحجية فإنَّ الأصل هنا الأصل لا يقتضي الاباحة ولا يقتضي التخيير وإنما يقتضي الأصل عدم الحجية، فكل شيء إذا شككنا في حجيته فالأصل يقتضي عدم الحجية، والوجوه في كون الأصل يقتضي عدم الحجية فيما هو مشكوك الحجية ثلاثة:-

الوجه الأول: - ما افاده الشيخ الأعظم(قده)[3] واختاره الفرائد، وحاصله: - إنَّ للحجية أثرين وهما صحة اسناد مؤدى الحجة إلى الشارع المقدس وصحة الاستناد إليها في مقام العمل، ومن المعلوم أنَّ هذين الاثرين لا يترتبان عند الشك في حجية شيء كحجية خبر الفاسق فإن الاسناد والاستناد هما تشريع وهو محرّم بالأدلة الأربعة.

والتعبير المشهور الذي يقول إنَّ الشك في الحجية يساوق القطع بعدم الحجية يقصد منه هذا المعنى، يعني لا يمكن الاستناد إلى مشكوك الحجية في الاسناد والاستناد، ويظهر من السيد الخوئي(قده) موافقته على ذلك[4] .

ويرد عليه: -

أولاً: - إنَّ المطلوب الاساسي من الحجية هو التنجيز والتعذير، فهي تكون عذراً أمام المولى إذا اتبعتها المكلف وتكون منجزة عليه إذا خالفها، فالتنجيز والتعذير هو معنى الحجية دون الاسناد والاستناد، وبناء على هذا نقول نحن نسلم عدم جواز الاسناد والاستناد عند الشك في الحجية ولكن لا يكون هذا دالاً على نفي الحجية بمعنى التنجيز والتعذير.

إن قلت: - إنَّ المكلف حينما يتمسك بالأمارة فهو يتمسك بها بما أنها منجّزة فيلزم عند الشك في الحجية الجزم بانتفائها، يعني الجزم بانتفاء الحجية بمعنى التنجيز وعليه فلا يمكن نسبة التنجيز إلى الشارع مادامت الحجية مشكوكة وبالتالي ثبت نفي الحجية كما أراد العلمان.

قلت: -

أولاً: - إنَّ التنجيز ليس أثراً منسوباً إلى الشارع حتى يكون نفيه دالا على نفي الحجية بل هو عقلي دائماً فإنه عبارة عن استحقاق العقوبة عند المخالفة، ومن المعلوم أنَّ الاستحقاق للعقوبة وعدمه هو شيء يحكم به العقل، فهما حكمان عقليان وليسا أثرين شرعيين.

ثانياً: - حتى لو سلمنا بأن جواز الاسناد والاستناد هما من لوازم الحجية ولا تختص الحجية بالتنجيز والعذير ولكن نقول إنَّ عدم جواز الاسناد والاستناد عند فرض الشك في الحجية لا يدل على نفي الحجية واقعاً، بل لعل الشيء هو حجة واقعاً ولكن لا يجوز الاسناد والاستناد إلى الشارع من جهة عدم العلم بالحجية، فعدم جواز الاسناد واستناد ليس هو نفس معنى الحجية.


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص128.
[2] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص129.
[3] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص125.
[4] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص128.