45/10/06
الموضوع: - الرد على الجواب الثامن - النقطة الاولى ( هل يمكن أن يكون الظن حجة في نفسه ) - مبجث الظن - الدليل العقلي.
وفي الجواب نقول:- صحيح أنَّ الملاك الواقعي واحد ولكن رغم وحدته هو يقتضي أحياناً ثبوت حكمين أحدهما واقعي والآخر ظاهري، فمثلاً إكرام الضيف هو لازم وهذا حكمٌ واقعيٌ بالوجوب ولكن إذا شك الشخص بمجيء الضيف أو عدم مجيئه فهل يأمر بطهي الطعام لأجله لأنه لو جاء ولم يطهوا الطعام فسوف يلزم إهانته أو أنه لا يأمر بالطهي خوفاً من عدم مجيئه ولزوم التبذير؟، وفي مثل هذه الحالة - أي عند الشك - يوجد ملاكان ملاك لزوم إكرام الضيف وهو يقتضي طهي الطعام وملاك حرمة التبذير وهو يقتضي عدم الطهي وفي مثل هذه الحالة يدور الأمر عند العاقل بين هذين الملاكين فيلاحظ الملاك الأهم ويصدر الحكم على طبقه، فلو رأى أنَّ إكرام الضيف وعدم اهانته هو الأهم فسوف يأمر بطهي الطعام وإن حصل التبذير، وإن رأى أنَّ ملاك التبذير هو الأهم فسوف لا يأمر بالطهي، ومن الواضح أنَّ هذا حكم ظاهري ثابت في حالة الجهل بمجيء الضيف وعدم مجيئه، فالحكم بلزوم الطبخ هو حكم ظاهري وليد الملاك الأهم حيث يحصل تزاحم بين الملاكين وحينئذٍ يقدَّم الملاك الأهم ويُنشأ الحكم الشرعي على طبقه وهو ما نعبر عنه بالحكم الظاهري، فالحكم الظاهري هو الطلب الناشئ من الملاك الأهم عند الجهل وتزاحم الملاكات، وهذه قضية عرفية عقلائية، ونفس الشيء نقوله في الشرع فإنَّ هذا يأتي عند الشرع أيضاً، فإنَّ الحمر مثلاً هو حرام شرعاً بلا اشكال والماء حلالٌ شرعاً بلا اشكال ولكن لو فرض أنَّ الجو كان مظلماً ولا يمكن التمييز بينهما من خلال الرؤية ففي مثل هذه الحالة لو دار الأمر بين أن يكون هذا السائل خمراً فلا يجوز شربه وبين أن يكون ماءً فيجوز شربه فهنا سوف يحصل تزاحم بين الملاكين وفي مثل هذه الحالة توجد طريقة غير متعارفة وهي أن يحصل للمكلف العلم الواقعي من طريقِ خاص - كالوحي مثلاً - بأن هذا السائل ماء أو خمر فيأخذ به، ولكن المفروض أنَّ مثل هذا الطريق غير متَّبع بل في مثل هذه الحالة يدور الأمر بين هذين الملاكين وحينئذٍ يلاحظ المولى الملاك الأهم منهما ويصدر الحكم على طبقه فإن كان ملاك الحرمة هو الأهم فسوف ينشئ خطاباً بالتحريم، وإن كان الأمر العكس فحينئذٍ ينشئ خطاباً بجواز الشرب، وعلى كلا التقديرين هو حكم وخطاب ظاهري، فالحكم الظاهري هو الحكم الناشئ من الملاك الأهم عند التزاحم بين الملاكات، هكذا يقال في تفسير حقيقة الحكم الظاهري.
ومنه يتضح أنَّ ملاك الخطاب الظاهري - أو الحكم الظاهري - هو نفس الملاك الواقعي الأهم وليس له ملاك آخر يغاير ملاك الحكم الواقعي وبالتالي لا يلزم اجتماع ملاكين؛ إذ المفروض أنَّ ملاك الحكم الظاهري هو نفس ملاك الحكم الواقعي.
كما اتضح أيضاً أنَّ حقيقة الحكم الظاهري هو حكمٌ مجعولٌ حالة الشك في الواقع ومجعولٌ وفق الملاك الواقعي الأهم، فهو ليس ناشئاً من ملاكٍ آخر غير ملاك الحكم الواقعي حتى يقال يلزم اجتماع الملاكين المتضادين أو ما شاكل ذلك من الإشكالات المتقدمة بل الحكم الظاهري هو ناشئ من ملاك الحكم الواقعي الأهم. هذا كله في مرحلة إمكان جعل الحكم الظاهري وقد اتضح أنه ممكن على طبق الملاك الأهم، وبذلك اتضح وهن ما صار إليه ابن قبة من عدم امكان جعل الحجية للظن، بل قد اتضح أنه ممكن ولكن ليس لملاكٍ مستقلٍ وإنما لنفس الملاك الواقعي.
وأما في مرحلة الوقوع: - فسوف نبحث فيها عن قضيتين، الأولى ما يقتضيه الأصل عند الشك في حجية الامارة، والثانية الكلام في الامارات التي ثبتت حجيتها بالدليل كخبر الثقة والظهور ما شاكلهما.