الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/10/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الجواب الثامن عن شبهة ابن قبة- النقطة الاولى ( هل يمكن أن يكون الظن حجة في نفسه ) - مبجث الظن - الدليل العقلي.

الجواب الثامن: - ما ذكره للسيد الخوئي(قده)[1] وحاصله: - إنه لا تنافي بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري المدلول للأمارة وذلك باعتبار أنَّ التنافي بينهما إما أن يكون بين الحكمين بما هما حكمان أو بين ملاكي الحكمين أو بلحاظ عالم الامتثال، والكل باطل، أما أنَّ الأول باطل فلأنَّ الحكم اعتبار والاعتبار سهل المؤونة ولا محذور في اجتماع الحكم بما هو حكم مع حكم آخر لأنه مجرد اعتبار، وأما أنَّ الثاني باطل فلأن ملاك الحكم الظاهري - وهو المصلحة - قائم بأصل الجعل وليس بمتعلقه وأما ملاك الحكم الواقعي فهو قائم بمتعلقه وعليه فلا تنافي في البين، وأما أنَّ الثالث باطل فلأنه بعد فرض الجهل بالحكم الواقعي لا امتثال له حتى يقع التنافي بين الامتثالين فإنَّ الحكم الظاهري يأتي عند الجهل بالحكم الواقعي فإذا كان الحكم الواقعي مجهولاً فلا يقتضي الامتثال وحينئذٍ يبقى الامتثال للحكم الظاهري فقط وعليه فلا تنافي في البين.

نقول: - قد اتضح من خلال ما تقدم أنَّه يوجد جوابان للسيد الخوئي(قده) في حل مشكلة اجتماع الحكم الظاهري والواقعي الأول ما تقدم سابقاً وهو مبني على مسلك جعل العلمية وأنَّ حجية الامارة تعني جعل العلمية، والثاني هو ما ذكره هنا من أنَّ الاحتمالات في الاشكال ثلاثة وجميعها باطلة.

وفي مقام التعليق على ما ذكره نقول:- أما قوله بأنه لا يوجد تنافي في مقام الملاكات والمبادئ لأنَّ مبادئ الحكم الظاهري وملاكه قائمة بالجعل وملاك الحكم الظاهري قائم بالمتعلق وليس في نفس الجعل ففي التعليق عليه نقول:- لا يتصور من العاقل أن يوجد الحكم ويصدره لا لشيءٍ سوى المصلحة في أصل الجعل والتشريع فإنَّ هذا ليس شيئاً عقلائياً، ومع التنزّل يلزم عدم وجوب اطاعة الحكم الظاهري لأنَّ مصلحته قد استوفيت بأصل الجعل سواء أتى المكلف بالمتعلق أو لم يأتِ به فإنَّ هذا ليس بمهم إذ لا توجد مصلحة في المتعلق وإنما المصلحة هي في أصل الجعل وقد تحققت هذه المصلحة بأصل الجعل.

وقبل أن نذكر الجواب المناسب نقول: - قد يخطر إلى الذهن أنَّ التنافي بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي هو من حيث المبادئ يعني من حيث لزوم اجتماع المصلحة والمفسدة في شيءٍ واحد وهو غير ممكن، وهذا ما ذكره الاصوليون في كلماتهم.

وفي مقام العليق على هذا نقول: - لا محذور في اجتماع المصلحة والمفسدة في شيءٍ واحد ولكن من جهتين والحياة العقلائية مبنية على ذلك، فالزواج بالزوجة الثانية مثلاً حينما ننظر إليه من زاوية فهو فيه مصلحة كما هو واضح ولكن لو نظرنا إليه من زاوية أخرى نجد أنَّ فيه مفسدة لأنه يسبب بعض المشاكل العائلية، وعليه فاجتماع المصلحة والمفسدة شيءٌ معقولٌ وممكن مع اختلاف الجهة لا أنه ليس بمعقول وغير ممكن.

والجواب الصحيح في بيان منشأ التنافي عند اجتماع المصلحة والمفسدة نقول: - إنه لا يجوز اجتماع الحكم الظاهري والواقعي ولكن لا لأجل عدم امكان اجتماع مصلحة ومفسدة فإنَّ اجتماعهما لا محذو فيه كما بينا وإنما لا يجوز ذلك من جهة أخرى وهي أن نقول إما أن يكون الحكمان بدرجة واحدة من حيث المصلحة والمفسدة أو أنَّ أحدهما أقوى من الثاني، فإن كان هناك تساوٍ فالمناسب الحكم بالتخيير وذلك بإصدار حكمٍ واحدٍ بنحو التخيير لا بإصدار حكمين، وإن كان أحدهما أقوى من الآخر لزم صدور حكم واحدٍ على طبق الأقوى لا صدور حكمين، وعلى هذا يكون الاشكال من ناحية المصالح والمفاسد مرتفع.


[1] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص125.