الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الجواب السادس عن شبهة اجتماع الحكمين المتماثلين أو الضدين والتعليق عليه، الجواب السابع - شبهات ابن قبة - النقطة الاولى ( هل يمكن أن يكون الظن حجة في نفسه ) - مبجث الظن - الدليل العقلي.

 

الجواب السادس: - ما صار إليه الشيخ الأعظم(قده)[1] ووافقه عليه الشيخ النائيني(قده)[2] ، وهو القول بالمصلحة السلوكية، يعني أنَّ المصلحة هي في سلوك الأمارة وليست المصلحة في مؤداها حتى يلزم جعل حكمٍ جديد - وهو الذي تدل عليه الأمارة - بل المصلحة ليست في الحكم الظاهري الذي تدل عليه الأمارة وإنما المصلحة في السلوك واتباع الأمارة والسير على طبقها.

أقول: - إنَّ من أحد الاسباب التي جعلتهما يصيران إلى كون المصلحة في السلوك وليس في مؤدى الامارة هو لكي لا يلزم محذور التصويب، لأنه إذا كانت توجد مصلحة في مؤدى الأمارة فسوف يصير مؤدى الأمارة حكماً واقعياً مجعولاً وبذلك يلزم تغير الواقع بقيام الأمارة حيث ينجعل حكم جديد، ففراراً من هذا المحذور صارا إلى المصلحة السلوكية.

كما أنهما لم يلتزما بالطريقية المحضة التي بنى عليها المشهور - والتي على أساسها لا نحتاج إلى فكرة المصلحة السلوكية - وذلك فراراً من محذور تفويت أغراض المولى، فإنَّ الأمارة قد تفوِّت الواقع، فإذا بنينا على الطريقية المحضة يلزم تفويت أغراض المولى.

وبناءً على هذا سوف يكون ثبوت الحكم الظاهري ناشئاً عن مصلحةٍ وهي المصلحة السلوكية وحينئذٍ لا يلزم اشكال اجتماع حكمين متماثلين أو متضادين.

وقد يشكل عليهما: - بأنَّ لازم وجود المصلحة في السلوك تبدل الحكم الواقعي، فلو كان الواجب واقعاً هو صلاة الجمعة وقد دلت الأمارة على أنَّ الواجب هو صلاة الظهر فسوف يلزم تبدل الواقع وتصير النتيجة هي التخيير بين صلاة الظهر وصلاة الجمعة لأنَّ واحداً منهما فيه المصلحة الواقعية والثاني فيه المصلحة السلوكية، فكلاهما صار فيه مصلحة وحينئذٍ يلزم من ذلك تبدل الحكم الواقعي من تعيّن صلاة الجمعة أو صلاة الظهر إلى التخيير.

وأجاب الشيخ النائيني(قده) عن ذلك وقال: - إنَّ المصلحة لا تحدث في متعلق الأمارة - وهو أداء صلاة الظهر مثلاً - وإنما المصلحة هي في سلوك الأمارة وبالتالي لا يلزم التخيير بين الظهر والجمعة، لأنَّ الجمعة ليس فيها مصلحة سلوكية وإنما المصلحة السلوكية هي في سلوك الأمارة وليس في صلاة الجمعة.

والاشكال عليه واضح حيث نقول: - صحيح أنَّ صلاة الجمعة مثلاً ليس فيها مصلحة وبذلك لا يلزم التخيير بين أداء الظهر وأداء الجمعة كما قال ولكن يلزم التخيير بين فعل صلاة الظهر أو سلوك ما قالته الأمارة وهذا نحو تغير، فذاك التغير إذا لم يحصل فهذا تغيرٌ أيضاً فأنت مخير بين أحد الأمرين، وهذا كرٌّ على ما فرَّ منه وبالتالي يصير التخيير بهذا الشكل لا بذاك الشكل وهذا تبدل في الحكم الواقعي أيضاً.

الجواب السابع:- ما أفاده الشيخ الخراساني(قده)[3] ، وحاصله: إنَّ الحكم له مراتب أربع، مرتبة الاقتضاء، ومرتبة الانشاء، ومرتبة الفعلية، ومرحلة التنجّز، والمرحلة الأولى - وهي الاقتضاء - تعني ثبوت الملاك فإنه بثبوت الملاك يصير اقتضاء للحكم بالوجوب، ثم ينشئ المولى الحكم والإنشاء هو جعل الحكم وتشريعه، ثم تأتي مرحلة الفعلية مثل صلاة الجمعة تصير فعلية إذا حلَّ الشرط وتحقق، ثم تأتي مرتبة التنجّز، والمرحلة الأولى - مرحلة الاقتضاء - ليست حكماً وإنما هي من مقدمات الحكم فإنَّ الحكم يحتاج في مرحلة سابقة إلى ملاك، وأما مرحلة التنجز فهي مرحلة استحقاق العقوبة على المخالفة وهي أيضاً ليست من مراتب الحكم - يعني أنَّ المكلف إذا علم بالحكم فسوف يستحق العقوبة على مخالفته - والمناسب أن نقول إنَّ مراحل الحكم اثنان وهما الإنشاء - الجعل - والفعلية لا أربع مراحل، وهو فسّر مرحلة الفعلية بمرحلة وصول الحكم إلى حدٍّ يكون على طبقه أراده كراهة وأما باقي الأمور الأخرى فليست مهمة.

وحينئذٍ نقول إذا فرض أنَّ كلا الحكمين الواقعي والظاهري كانا فعليين فلازمه اجتماع ارادتين فعليتين واحدة للحكم الواقعي وثانية للحكم الظاهري، فوجوب الجمعة هو الحكم الواقعي والبراءة هو الحكم الظاهري فيلزم حينئذٍ اجتماع ارادتين متنافيتين إذا فرض أنَّ كلا الحكمين كانا فعليين ومن هنا التزم بأنَّ الحكم الواقعي في مورد قيام الأمارة أو الأصل على الخلاف يكون فعلياً بفعلية متوسطة بين الإنشاء المحض وبين الفعلية المحضة، فهو لا انشائي محض ولا فعلي محض، فإنَّ الحكم الواقعي إذا كان انشائياً محضاً لازمه أنه لا يوجد على طبقه إرادة ولا كراهة فإنَّ الانشائي المحض لا يوجد على طبقه إرادة ولا كراهة، فإذاً الحكم الواقعي يكون واجداً لإرادة وكراهة ولكن لا توجد إرادة محضة ولا كراهة محضة وعليه فالحكم الواقعي يشبه الحكم الانشائي لأنه لا يوجد فيه ارادة محضة ولا كراهة محضة بل هو بين بين، نعم له خصوصية وهي أنه لو علم به لتنجز - أي لاستحقت العقوبة على مخالفته - وبناءً على هذا إذا كان لا توجد إرادة ولا كراهة على طبق الحكم الواقعي فحينئذٍ لا يلزم اجتماع ارادتين ولا كراهتين ولكن له هذه الخصوصية وهي أنه لو عُلِم به لتنجّز.

فالحكم الواقعي في موارد قيام الأمارة ليس فعلياً بفعليةٍ محضةٍ وإنما له نصف فعلية - إن صح التعبير - حيث لا يوجد على طبقه إرادة ولا كراهة وأما نصفها الآخر هو أنه لو علم به لتنجز، فإذاً الحكم الواقعي فيه خصلة من الحكم الفعلي المحض وخصلة من الحكم الانشائي المحض فهو بين بين.


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص114.
[2] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج3، ص117.
[3] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج277، ص.