الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/08/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الجواب الرابع عن اشكال اجتماع الحكمين المتماثلين أو المتصادين والتعليق عليه - شبهات ابن قبة - النقطة الاولى ( هل يمكن أن يكون الظن حجة في نفسه ) - مبجث الظن - الدليل العقلي.

الجواب الرابع: - ما ذكره الشيخ العراقي(قده) في نهاية الأفكار، وهو جواب مطول لكننا نختصره بمقدمتين ونتيجة.

أما المقدمتان فهما: -

المقدمة الأولى:- إنَّ الاحكام لا تتعلق بالوجودات الخارجية وإنما تتعلق بالعناوين بما أنها عين الخارج - يعني أنها ملحوظة عين الخارج - فإنه بالنظر التصوري من يسمع اللفظ كأنه يرى المدلول خارجاً ولكن بنظرة تصورية، يعني أنَّ العناوين هي عين الخارج بنظرةٍ تصورية - أي بنظرة غير دقية - فمن يسمع العنوان كأنه يرى الخارج، وعلى هذا الأساس الاحكام تتعلق بالعناوين بما هي عين الخارج بالنظرة التصورية ولا تتعلق بالخارج وإنما الخارج هو ظرف سقوط الحكم لا ظرف ثبوته، فإنَّ الامتثال يتحقق في الخارج فيسقط الحكم لا أنَّ الحكم يثبت في الخارج، ونحن أحيانا قد نتصور شيئاً كأن نتصور حديقة كبيرة وماءً وطيوراً وغير ذلك وكأننا نرى ذلك أمامنا حقيقةً وبسبب هذا التصور وربما يحصل لنا ارتياح نفسي، والدليل على تعلق الأحكام بالأشياء بوجودها الذهني هو أنَّ الحكم أمر ذهني لا خارجي وما كان ذهنياً لا يتعلق إلا بالأمر الذهني، فدائماً الحكم يتعلق بالأمر الذهني.

المقدمة الثانية:- إنَّ عنوان ذات التدخين مثلاً لو نظرنا إليه في الذهن هو تغاير ذات التدخين بما هو مشكوك الحكم وإن كانا واحداً في الخارج - إذ لا فرق في الخارج بين ذات التدخين وبين التدخين بقيد مشكوك الحكم- وإذا فهمنا هذا واتضح لنا فحينئذٍ نقول إنَّ الفرق بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري هو أنَّ الحكم الواقعي متعلق بالصورة الأولى وهي ذات التدخين والحكم الظاهري متعلق بالصورة الثانية وهي التدخين المقيد بكونه مشكوك الحكم، وعلى هذا سوف لا يلزم المحذور الاجتماع بل الحكم الواقعي متعلق بشيءٍ والحكم الظاهري متعلق بشيءٍ آخر.

وفي التعليق نقول:- إنَّ ما افاده ينفع فيما إذا كان التغاير الذهني تغايراً حقيقياً لا ما إذا لم يكن حقيقياً، ومثال التغاير الحقيقي للصور في عالم الذهن صورة الصلاة وصورة الغصب فإنَّ الصلاة لها صورة ذهنية والغصب له صورة ذهنية أخرى فهما في عالم الذهن شيئان ووجود الصلاة في عالم الذهن يغاير وجود الغصب في عالم الذهن وما ذكره يتم في هذه الحالة، وأما إذا لم يكن التغاير حقيقياً بل كان بسبب اختلاف اللحاظ فهنا يمكن أن يقال بعدم كفاية مثل هذا التغاير لجواز ثبوت حكمين حكم على الصورة الذهنية الأولى وحكم على الصورة الذهنية الثانية، وحينئذٍ نقول إذا اكتفينا بتعدد الصورة الذهنية وإن لم تكن في ذاتها متغايرة كذات شرب الخمر يلزم وجاهة الحكم على ذات شرب الخمر بالحرمة والحكم على ذات الخمر المقطوع حرمته بالحلية فإنَّ ذات شرب الخمر بما هي صورة ذهنية غير ذات الخمر المقطوع حرمته بما هي صورة ذهنية ولكنهما ليستا صورتين لشيئين متغايرين حقيقةً وهذا لا يجوز،.

فإذاً مجرد التغاير في الصور لا يكفي إلا إذا فرض أنَّ التغاير كان حقيقياً، فالتغاير الحقيقي كصورة الصلاة وصورة الغصب في عالم الذهن فإنَّ صورة الصلاة غير صورة الغصب فصحيح هنا يمكن أن يتوجه إلى صورة الصلاة حكم بالوجوب ويتوجه إلى صورة الغصب حكم بالحرمة، أما إذا فرض أنَّ الصورة كانت واحدة والاختلاف كان في اللحاظ ولم يكن في ذات الصورة فحينئذٍ لا يمكن أن يثبت حكمان مختلفان كذات شرب الخمر والخمر المقطوع بحرمته فإنَّ هذه الصورة غير تلك الصورة لأنه في الصورة الثانية أخذ مقطوع الخمرية وأما في الصورة الأولى لم يؤخذ ذلك فيلزم على هذا أنه يجوز أن نحكم بالحرمة على الصورة الأولى وهي صورة ذات الخمرية ونحكم بالحلية على الصورة الثانية وهي صورة الخمر المقطوع حرمته لأن الصور مختلفة وهذا غير جائز.

فإذاً ليس كل اختلاف يكون كافياً في دفع المحذور وإنما يكفي الاختلاف وتعدد الصور فيما إذا كانت كل صورة هي صورة لشيءٍ تغاير حقيقةً الصورة الثانية التي هي صورة لشيءٍ مغاير بالذات لما هو ثابت في الصورة الأولى، فالمغايرة بين ذي الصورتين لابد وأن تكون حقيقية حتى يجوز تعدد الحكم، أما أن نفترض أنَّ ذات الصورة واحدة ومتعلقها واحد والاختلاف إنما هو بإضافاتٍ جزئيةٍ لا توجب تعدد في الذات فهذا لا يكفي في تعدد الحكم كما أراد الشيخ العراقي(قده).