الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/08/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الجواب الاول عن شبهة اجتماع المثلين أو الضدين والعليق عليه - شبهات ابن قبة - النقطة الاولى ( هل يمكن أن يكون الظن حجة في نفسه ) - مبجث الظن - الدليل العقلي.

 

كان كلامنا في مبحث الظن وقلنا إنَّ الكلام يقع في وجوه استحالة جعل الحجية للظن وقد ذكرت خمسة وجوه للاستحالة والمهم منها وجهان الأول اجتماع المثلين أو الضدين والثاني طلب الضدين، وقد اجيب عن ذلك بعدة أجوبة: -

الجواب الأول:- ما ذكره الشيخ الخراساني(قده)[1] ، وحاصله:- إنما يتم اشكال اجتماع المثلين أو الضدين فيما لو فسّرنا حجية الأمارة بجعل الحكم المماثل إذا كان معنى حجية الأمارة هو جعل الحكم المماثل على وفق مدلول الأمارة فسوف يلزم اجتماع المثلين إذا كان الحكم الثابت واقعاً هو وجوب صلاة الجمعة وقد دلت الأمارة على وجوب صلاة الجمعة، ويلزم اجتماع الضدين إذا دلت الأمارة على وجوب الظهر، ولكن هذا باطل، والصحيح هو أنَّ معنى حجية الأمارة هو جعل المنجزية والمعذرية من دون جعل حكمٍ مماثل، فلا يوجد حكم وإنما المجعول هو المنجزية، فإذا كانت الأمارة مصيبة للواقع فتنجّز الواقع المجعول من قبل المولى وإذا كانت مخطئة فتكون عذراً، وعليه فلا يرد الاشكال.

وقريب من ذلك ما ذكره الشيخ النائيني(قده) وحاصله: - إنَّ معنى حجية الأمارة هو جعل العلمية والطريقية، وعلى هذا سوف يندفع الاشكال، فإنَّ الأمارة بحجيتها لا ينشأ حكم مماثل للواقع أو حكم ضدّ الحكم الواقعي حتى يلزم اجتماع الضدّين أو المتماثلين وإنما الأمارة هي شيء آخر وهي عبارة عن جعل العلمية على رأي الشيخ النائيني(قده) وجعل المنجزية على أي الشيخ الخراساني(قده).

ولماذا لم يفسر الشيخ النائيني(قده) الحجية بنفس ما فسرها استاذه الخراساني(قده) - حيث فسّرها بجعل المنجزية والمعذرية - وإنما فسّرها بجعل العليمة والطريقية؟

أجاب الشيخ النائيني (قده) عن ذلك بجوابين: -

الجواب الأول: - إنه إذا فسرنا الحجية بجعل المنجزية فسوف يلزم تخصيص قاعدة قبح العقاب بلا بيان والحال أنها حكم عقلي والأحكام العقلية لا تقبل التخصيص، لأنه إذا فسرنا الحجية بالمنجزية فهذا يعني أنّ الظن سوف يكون منجزاً على رأي الشيخ الخراساني(قده)، فعلى رأيه يكون معنى حجية الظن هو جعله منجزاً فإنَّ معنى الحجية هو عبارة عن المنجزية من دون جعل العلمية، فالظن يبقى ظن غايته قد جعلت له المنجزية، مثل خبر الواحد فهو ظن ولكن قد جعلت له الحجية بمعنى أنه جعل منجزاً وهذا تخصيصٌ لقاعدة قبج العقاب بلا بيان حيث صار الظن منجزاً أي موجباً لاستحقاق العقوبة إذا خالف المكلف الأمارة وقاعدة قبح العقاب بلا بيان هي حكم عقلي لا يقبل التخصيص.

الجواب الثاني:- إنَّ الأمارة كخبر الثقة الذي هو أمارة شرعية هو في الحقيقة حجة عقلائية قبل أن يكون حجة شرعية، والعقلاء إنما يأخذون به من باب عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف له، فإذا جاء شخص وأخبر بخبرٍ ما فاحتمال كونه صادقاً هو بدرجة سبعين بالمائة مثلاً ولكن العقلاء يعملون به رغم وجود احتمال مخالف بدرجة ثلاثون بالمائة فإنهم يلغون هذا الاحتمال المخالف مادام المخبر ثقة وهذا عبارة أخرى عن جعلهم الخبر علماً وصيرورته علماً، فنحن صرنا إلى مسلك جعل العلمية باعتبار أنَّ الواقع يفرض علينا ذلك فإنَّ هذه الأمارات هي حجة عقلائية قبل أن تكون شرعية، قال:- ( ومما يدل على أن المجعول في باب الطرق محض صفة المحرزية[2] أنه ليس في الشريعة طريق مجعول ابتدائي أبداً وإنما الطرق الشرعية هي التي يعتمد عليها العقلاء في أمور معاشهم ومعادهم لما يرونها طرقاً متقنةً نظير العلم الوجداني ولا يعتنون باحتمال مخالفة الطريق للواقع بل يفرضون هذا الاحتمال كالعدم ... ولم يكن للشارع بالإضافة إليها تصرف إلا امضاؤها)[3] .

ويرد عليه: -

أولاً:- إنَّ المشكلة ليست هي اجتماع حكمين متماثلين أو متضادين حتى يأتي ويدفع المشكلة من هذه الناحية ويقول لا يلزم اجتماع حكمين متماثلين أو متضادين لأنَّ حجية الأمارة ليس مفادها جعل حكمٍ بل جعل العلمية فإنه إذا كانت هذه هي المشكلة فالتغلب عليها يكون سهلاً من دون حاجة إلى مسألة جعل العلمية وإنما نقول إنَّ الأحكام هي أمور اعتبارية ولا محذور في اجتماع الأمور الاعتبارية، بل المشكلة شيء آخر وراء اجتماع حكمين وهي لزوم اجتماع المصلحة والمفسدة أي اجتماع ملاكين متضادين أو متماثلين والمصالح والمفاسد أمور حقيقة وليست اعتبارية كالأحكام، فإنَّ كل حكم ينشأ عندنا معاشر الامامية من مصلحةٍ أو مفسدةٍ، فثبوت حكمين يعني وجود مصلحة ومفسدة أو اجتماع مصلحتين أو مفسدتين والملاكات أمور حقيقية لا اعتبارية وهو لم يعالج هذه المشكلة.

ثانياً: - إنَّ ما ذكره حتى لو دفع بعض الإشكالات إلا أنه لا يدفع بعضها الآخر كإشكال تفويت الغرض الإلزامي، فإنَّ الامارة بجعلها حجة سوف يتّبعها المكلف ولو اتّبعها فقد تفوّت عليه الغرض الإلزامي في الحكم الواقعي وما ذكره من جواب لم يحل هذا الاشكال.


[1] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص277.
[2] أي العلمية.
[3] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص75.