45/08/13
الموضوع: - شبهات ابن قبة - النقطة الاولى ( هل يمكن أن يكون الظن حجة في نفسه ) - مبجث الظن - الدليل العقلي.
شبهات ابن قبة: -
ابن قبة من قدماء اصحابنا ولم يعرف له رأي إلا هذا الرأي وهو استحالة جعل الحجية للظن، وقد نقل الشيخ الأعظم(قده) وجهين للاستحالة: -
الوجه الأول: - لو جاز التعبد بخبر الثقة حينما يخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الأئمة عليهم السلام لجاز الإخبار عن الله عزَّ وجل وكان نقل هذا الأخبار حجة. فإذا كان خبر زرارة حينما ينقل عن الامام الصادق عليه السلام حجة يلزم أن يكون اخباره عن الله عزَّ وجل حجة أيضاً، وحيث إنَّ التالي باطل فالمقدَّم مثله.
الوجه الثاني: - إنه يلزم من جعل الحجية للظن تحليل الحرام وتحريم الحلال.
ويمكن مناقشة كلا الوجهين: -
أما الوجه الأول: - فالجواب عنه واضح، فإنَّ الاخبار عن الامام عليه السلام أو غيره من الناس هو إخبار عن شيءٍ محسوس فيمكن قبوله إذا دل الدليل على حجيته، فمثلاً يذهب زرارة إلى الامام عليه السلام ويسمع حديثه ثم ينقله إلينا فإذا كان يوجد دليل على الحجية هنا فسوف نقبل به، وهذا بخلافه في الإخبار عن الله عزَّ وجل فإنه إخبارٌ عن شيءٍ غير محسوس فإنه يشكل الأخذ به هنا ولا يلزم من حجية الخبر في الأمور المحسوسة حجيته في الأمور غير المحسوسة أيضاً فإنه قد جرت سيرة العقلاء على الأخذ به في الأمور المحسوسة دون غير المحسوسة.
وأما الوجه الثاني: - فقد ذكر صاحب الكفاية(قده)[1] له ثلاث تقريبات - لاثبات عدم حجية الخبر - فإذا أضفنا إليها وجهين صارت الوجوه خمسة.
الوجه الأول: - إنه يلزم من جعل الحجية للخبر اجتماع المثلين أو الضدين، ببيان: - انه حينما يخبر الشخص عن وجوب شيءٍ فحيث إنَّ كل واقعة لا تخلو من حكمٍ واقعاً فهذا الذي يخبر به الثقة إن كان هو الوجوب وفي الواقع كان الثابت هو الوجوب أيضاً لزم اجتماع المثلين، وإن كان الثابت واقعاً هو الحرمة لزم اجتماع الضدين.
الوجه الثاني: - إنه يلزم من جعل الحجية للخبر طلب الضدين أحيانا، كما إذا فرض أنَّ الخبر قد دل على حرمة صلاة الجمعة في زمن الغيبة وفرض أنَّ الوجوب كان ثابتاً واقعاً لصلاة الظهر ففي مثل هذه الحالة يلزم طلب الضدين لأنه لا يحتمل في ظهر يوم الجمعة وجوب صلاتين وإنما المطلوب هو صلاة واحدة لأن المكلف مطالب بخمس صلوات في اليوم الواحد فإذا دل أحد الخبرين على وجوب الجمعة ودل الآخر على وجوب الظهر لزم من ذلك طلب الضدين وحيث إنه مستحيل فلا يمكن حينئذٍ جعل الحجية للخبر.
البيان الثالث: - إنه يلزم من جعل الحجية للخبر تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة، كما إذا فرض أنَّ الثابت واقعاً هو الوجوب وقد ودل الخبر على أنه مباح أو ليس بواجب فهنا سوف يلزم من ذلك تفويت مصلحة الواجب لأنَّ المكلف سوف لا يفعل الواجب، وإذا فرض أنه كان حراماً واقعاً وقد دل الخبر على الجواز فهنا يلزم الإلقاء في المفسدة.
الوجه الرابع: - إنه يلزم من جعل الحجية للخبر حدوث الحكم من دون ملاك أحياناً، كما إذا فرض أنَّ الامارة دلت على وجوب شيءٍ ولكنه كان مباحاً في الواقع ففي مثل هذه الحالة سوف يلزم حدوث الوجوب بسبب الأمارة من دون وجود ملاكٍ له لأننا قد افترضنا أنه مباح في الواقع فإذا قالت الأمارة أنه واجب فسوف يصير الوجوب من دون ملاك، وكذلك الحال في الحرمة.
الوجه الخامس:- إذا كانت الأمارة مصيبة للواقع وخالفها المكلف فحينئذٍ يلزم استحقاقه العقوبة على مخالفة الواقع الذي أصابته الأمارة والحال أنَّ ذلك مخالفٌ لقاعدة قبح العقاب بلا بيان لإنَّ الخبر لا يولّد علماً وإنما يولد ظناً فثبوت العقاب سوف يكون من دون علم؛ إذ المفروض أنَّ الامارة أصابت الواقع، ففي الواقع كانت صلاة الجمعة واجبة والخبر قد أصاب ذلك فإذا ترك المكلف صلاة الجمعة لزم استحقاقه العقوبة لأنها واجبة واقعاً والخبر قد أدى إلى وجوبنها والحال أنَّ المكلف ليس له علم بالواقع وإنما له ظن به ويقبح العقاب بلا بيان؟!!
وهذا الوجه يأتي بناءً على من يسلّم بقاعدة قبح العقاب بلا بيان فإنه بناءً عليها سوف تصير العقوبة بلا علم فإنَّ الخبر لا يولَّد علماً بوجوب الجمعة حتى تصح العقوبة.
والوجه المهم من هذه الوجوه هو الوجه الأول - وهو لزوم اجتماع المثلين أو الضدين المثلين - وعلى إثره تولد مسلكان الأول مسلك جعل المنجزية في باب حجية الامارة وأنَّ معنى كون الأمارة حجة هو جعلها منجَّزة، والثاني مسلك جعل العلمية وهو يعني أنَّ جعل الخبر حجة بمعنى أني جعلتك عالماً بالواقع، فالأمارة لا يوجد حكم على طبقها فهي حينما تقول صلاة الجمعة واجبة فهي لا تجعل وجوباً لصلاة الجمعة وإنما لأجل جعل المجزية أو جعل العلمية.
هذا وقد يقول قائل: - إنه لا توجد مشكلة أصلاً، فلا يلزم من جعل الحجية للخبر اجتماع للضدين أو للمثلين أو ما شاكل ذلك والوجه في ذلك هو أنَّ الحكمين مختلفين فإنَّ أحدهما واقعي والآخر ظاهري، وإنما يلزم الاجتماع فيما إذا كان كلاهما واقعياً.