الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الظن بالثبوت والظن بالسقوط - النقطة الاولى ( هل يمكن أن يكون الظن حجة في نفسه ) - مبجث الظن - الدليل العقلي.

تحقيق الحال في اصالة الإمكان:

من المعلوم أنَّ الذي جرنا إلى هذا المطلب هو وقوع الكلام في أنَّ التعبد بالظن هل هو جائز أو ليس بجائز، وقد ذكر البعض أنَّ الظن حجة تمسكاً بأصالة الإمكان، فنحن من هذا الباب نريد أن نبحث عن اصالة الإمكان وهل هي ثابتة أو ليست ثابتة؟

وقد ذكر الشيخ الأعظم(قده) في هذا المجال أنَّ المنسوب إلى ابن قبة استحالة التعبد بالظن، وخالفه في ذلك المشهور حيث ذهبوا إلى الامكان بدعوى أننا نقطع بإمكان جعل الحجية للظن.

وأشكل الشيخ الأعظم(قده) على المشهور وقال: - إنَّ دعوى القطع بالإمكان شيءٌ صعب فإنَّ القطع يحتاج إلى إحاطتنا بجميع النكات، فإذا أحاط عقلنا بجميع النكات ورأينا أنها لا تصلح لاثبات استحالة جعل الحجية للظن فحينئذ يمكن أن ندعي القطع، ولكن لا يمكن للإنسان أن يقطع بوجود نكتة موجبة لاستحالة جعل الحجية الظن وإنما هذا الأمر يختص بالمولى فقط دون غيره، وعليه تكون طريقة المشهور باطلة، لكن الأولى أن يقال:- إننا فكرنا وتأملنا فلم نجد بعد التأمل نكتة توجب استحالة جعل الحجية للظن وفي مثل هذه الحالة العقلاء بينون على الإمكان، ولنصطلح على ذلك بأصالة الإمكان[1] .

واشكل عليه الشيخ الخراساني(قده) بثلاثة إشكالات[2] :-

الاشكال الأول:- إنَّ اصالة الإمكان لا فائدة فيها، لأنه إما أن يكون هناك دليل قطعي على حجية الظن - مثل خبر الواحد - أو لا يوجد، فإن كان هناك الدليل القطعي على حجيته فهذا الدليل بنفسه سوف يثبت لنا حجية للظن وبالالتزام يثبت لنا أيضاً امكان جعل الحجية له، وإن لم يكن الدليل القطعي على الحجية موجوداً فالبحث عن اصالة الإمكان واثباتها غير مجدٍ؛ إذ أيّ فائدةٍ فيها فإننا نريد أن نصل إلى الوقوع فإذا لم يوجد دليل حجة يدل على حجية خبر الثقة مثلاً فحينئذٍ لا نحتاج إلى البحث عن أصالة الإمكان ولا يكون نافعاً لأنَّ اثبات الإمكان من دون وجود دليلٍ على الوقوع لا فائدة فيه.

الاشكال الثاني: - إنَّ أصالة الإمكان التي ادعيتها هي مجرد دعوى لا مثبت لها.

الاشكال الثالث: - إنك ادعيت ثبوت سيرة العقلاء على ذلك، ونحن نقول: - إنَّ سيرة العقلاء تحتاج إلى دليل يدل على امضائها وهو في مقامنا مفقود، نعم في سائر الموارد كحجية الخبر والشهرة نقول توجد سيرة منعقدة على العمل به وبضم عدم الردع عنه يثبت الامضاء، ولكن في موردنا لا يمكن أن نثبت الامضاء من خلال عدم الردع لأنَّ السيرة في موردنا - الذي هو أصالة الإمكان - لا تؤثر على الشارع شيئاً بخلاف الشهرة وخبر الواحد فإنهما يؤثران على الاحكام الشرعية فيلزم على الشارع أن يردع عنهما إذا لم يكون يرتضيها وأما اصالة الإمكان فهي لا تؤثر عليه شيئاً وحينئذٍ لا مجال لاثبات حجيتها بعدم الردع.

واشكل الشيخ العراقي والسيد الخوئي على الشيخ الخراساني وقالا: - إنَّ مقصود الشيخ الأعظم(قده) هو حالة ما لو دل دليل على وقوع التعبّد بشيء، فإذا دل دليل على وقوع التعبّد بشيء فحينئذٍ نبني على الحجية وعلى وقوع التعبّد والإمكان لا أننا يبنى على الإمكان بقطع النظر عن وجود دليل يدل على حجية الظهور أو حجية خبر الثقة أو ما شاكلهما، فكلام الشيخ الأعظم(قده) منحصر بهذه الحالة كخبر الثقة مثلاً فإنَّ العقلاء فيه يبنون على الإمكان بعد فرض وجود الدليل الذي دل على الوقوع وعلى الحجية لا بقطع النظر عن وجود الدليل.

وبذلك تندفع الإشكالات الثلاثة التي ذكرها الخراساني(قده) على الشيخ الأعظم(قده): -

أما اشكاله الأول: - فإنه قال مع قيام الدليل على التعبَّد فنفس هذا الدليل يكون مثبتاً للإمكان ومع عدم قيامه لا معنى للبحث في الإمكان، فجوابه: - إنَّ الشيخ الانصاري(قده) يتكلم في حالة وجود دليل على الوقوع فهنا نقول الأصل هو الإمكان ونثبت الإمكان لا بقطع النظر عن دليل الوقوع حتى يرد هذا الاشكال.

وأما اشكاله الثاني: - فقد قال إنَّ السيرة على الامكان ليس من المعلوم انها منعقدة، وجوابه: - إنَّ هذا خلاف الوجدان بل السيرة منعقدة بل لا يبعد انعقادها كما قال الشيخ الأعظم(قده).

وأما اشكاله الثالث: - وهو أنًّ السيرة تحتاج إلى امضاء، ونحن نقول: - إنَّ الامضاء ثابت؛ إذ المفروض أننا نريد أن نثبت حجية خبر الثقة، فإذا لم نقل بالإمكان فلا يمكن أن نأخذ بدليل الحجية، وعلى هذا الأساس نقول إنَّ اشارع حيث سكت عن هذه السيرة فيدل ذلك على امضائها وبالتالي يجوز أن نتمسك بها لاثبات امكان حجية الظن ولا محذور في ذلك.


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص105.
[2] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص276.