45/08/08
الموضوع: - الظن بالثبوت والظن بالسقوط - النقطة الاولى ( هل يمكن أن يكون الظن حجة في نفسه ) - مبجث الظن - الدليل العقلي.
ذكرنا أنَّ الإمكان تارةً يراد به الامكان الذاتي وأخرى يراد به الإمكان الوقوعي.
أما الإمكان الذاتي: - فمن البعيد أن يكون هو المقصود في محل الكلام، لأنَّ الإمكان الذاتي يقابله الاستحالة الذاتية، والاستحالة الذاتية تنحصر باجتماع النقيضين وارتفاعهما وما كان من هذا القبيل، أما أن يكون الظن حجة فلا يحتمل استحالته الذاتية، وعليه فلابد وأن يكون المراد من الإمكان هنا هو الإمكان الوقوعي دون الذاتي بمعنى أنه هل يلزم محذور من ثبوت الحجية للظن أو لا يلزم ذلك؟
وقال الشيخ النائيني(قده): - إنَّ المراد من الإمكان هنا هو الإمكان التشريعي في مقابل ما إذا لزم محذور في عالم التشريع من جعل الحجية للظن، فيراد أن يقال هل يمكن جعل الحجية للظن أو لا يمكن ذلك؟، يعني عند جعل الحجية للظن هل يلزم منه محذور في عالم التشريع من قبيل تحليل الحرام أو تحريم الحلال أو لا يلزم ذلك؟[1] .
ويمكن أن نعلّق على ما ذكره بتعليقين: -
الأول:- إنَّ المحذور التشريعي راجع إلى المحذور في عالم الوقوع وبلحاظه فيكون داخلاً تحته، فالإمكان إمكانان ذاتي ووقوعي وأما الامكان التشريعي فهو من مصاديق الإمكان الوقوعي، فإنَّ المقصود من الإمكان بحسب الوقوع هو أنَّ الشيء ليس مستحيلاً في ذاته وإنما إذا كان يوجد محذور فهو يوجد في عالم الوقوع، ففي موردنا يقال إنَّ جعل الحجية للظن يلزم منه محذور في عالم التشريع - وهو محذور تحليل الحرام وتحريم الحلال - ولكن نقول إنَّ هذا المحذور هو من مصاديق المحذور في عالم الوقوع لا أنه عالم ثالث في مقابل عالم الوقوع وعالم الإمكان.
ثانياً: - إنَّ المحاذير - التي سنذكرها فيما بعد - اللازمة لجعل الحجية للظن ليست كلّها محاذير بلحاظ عالم التشريع وإنما بعضها كذلك مثل محذور لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال فإنَّ هذا محذور تشريعي، ولكن محذور اجتماع المصلحة والمفسدة هو محذور بلحاظ عالم الوقوع لا عالم التشريع، أو قل بعبارة أخرى هو محذورٌ بلحاظ عالم التكوين والخارج فإنَّ المصلحة والمفسدة أمران تكوينيان فإذا لزم اجتماعهما من جعل الحجية للظن فالمحذور يكون محذوراً بلحاظ عالم التكوين وليس بلحاظ عالم التشريع.
النقطة الثالثة: - تحقيق الحال في أصالة الإمكان.
ذكر الشيخ الأعظم(قده) في فرائده أنَّ المنسوب إلى ابن قبة استحالة جعل الحجية للظن والتعبد به وخالفه في ذلك المشهور حيث ذهبوا إلى الإمكان واستدلوا على ذلك بأننا نقطع بالإمكان وعدم وجود محذور الاستحالة في جعل الحجية للظن؛ إذ لو تأملنا في انفسنا لم نجد محذوراً يوجب استحالة جعل الحجية للظن، وإذا لم نجد في أنفسنا محذوراً من جعل الحجية له فسوف نحكم بالإمكان لأصالة الإمكان العقلائية فإنَّ العقلاء إذا فكروا ولم يجدوا محذورا حكموا بالإمكان حينئذٍ.
وأشكل الشيخ الأعظم(قده) على تمسك المشهور بأصالة الإمكان وقال:- إنَّ دعوى القطع بعدم وجود محذور وبالتالي لزوم التمسك بأصالة الإمكان أمرٌ مشكل، لأنَّ القطع بعدم وجود المحذور لا يحيط به إلا المولى فإنَّ الجهات المحسّنة والمقبّحة لا يمكن لنا الإحاطة بها أجمع بل قد يبقى بعضها خفيّاً علينا ويترتب على هذا عدم تمامية أصالة الإمكان، نعم هناك طريقة ثانية غير أصالة الإمكان وهي أنَّ العقلاء إذا فكروا في مطلبٍ ولم يجدوا جهةً مانعةً تمنع من ثبوته حكموا بإمكانه، وهذه طريقة عقلائية ولنسمِّ هذا البيان بأصالة الإمكان العقلائية وهي أنَّ العقلاء جرى ديدنهم على أنهم إذا فكروا في شيءٍ ولم يجدوا فيه محذوراً حكموا بإمكانه.