الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مبجث الظن - الدليل العقلي.

 

مبحث الظن:

والكلام عن حجية الظن يقع تارةً في امكان ذلك وأخرى في وقوعه، فتارة نبحث هل يمكن جعل الحجية للظن، وبعد أن يثبت الامكان نبحث هل وقعت حجية الظن وأين وقعت أو أنها لم تقع ونذكر بعض الموارد.

أما البحث في الامكان:- فيقع ضمن نقاطٍ أربع:-

النقطة الاولى:- هل يمكن أن يكون الظن حجة في نفسه؟

النقطة الثانية:- ما المقصود من الامكان؟

النقطة الثالثة :- تحقيق الحال في أصالة الامكان.

النقطة الرابعة:- شبهات ابن قبة المثبتة لعدم الامكان.

أما النقطة الأولى:- فلعل المشهور هو أنَّ الظنَّ ليس بحجة في نفسه لأنه كاشفٌ ناقص فلا يكون بياناً فيحتاج حينئذٍ إلى جعل الحجية له، وأما الكاشف التام فهو العلم فلا يحتاج إلى جعل الحجية له كالظن، فإذا كان الظن محتاجاً إلى جعل الحجية كان مشمولاً لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، فإذا حصل لنا ظنٌّ بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال مثلاً فلو لم نقرأ الدعاء لا تجوز معاقبتنا على ظن وجوبه بل الظن لا يمنع من جريان قاعدة قبح اعقاب بلا بيان في المقام لأنَّ الظنَّ ليس بياناً.

أقول:- إنَّ هذا البيان - كما ترى - مبني على قاعدة قبح العقاب بلا بيان التي مستندها العقل فإنه يحكم بذلك، ولكن هذه القاعدة ليست بتامة لا لما ما ذكره السيد الشهيد(قده) حيث يرى تمامية قاعدة أخرى وهي سعة حق الطاعة فإنَّ الله تعالى له حق الطاعة علينا وهذا الحق وسيع يشمل حتى الظن بل يشمل حتى الاحتمال الضعيف أيضاً وقد استند في ذلك إلى حق المنعمية وقال إنَّ حق المنعمية وسيعٌ وثابتٌ حتى في حالة الظن بل وحتى في حالة الاحتمال، ولكن نحن ننكر قاعدة قبح القعاب بلا بيان لا لما ذكره السيد الشهيد(قده) بل لنكتةٍ أخرى وهي أنَّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا أساس لها ولا ودليل وإنما الذي صار سبباً لقبولها عند البعض هو وجود كلمة ( بيان ) في متنها، ولكن لوحذفنا كلمة ( بيان ) منها لم تتم هذه القاعدة فإنَّ المقصود من البيان هو العلم، فصحيح أنه يقبح العقاب لو لم يكن هناك علم ولكن لو كان هناك ظن عالٍ بدرجة تسعين بالمائة مثلاً فهل يقبح العقاب أيضاً لأنه لا يوجد علم هنا أو يكفي هذا الظن الذي يورث الاطمئنان؟ إنه يكفي هذا الظن وعليه فلا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان، والأعلام يثبتون الحجية للاطمئنان في الكثير من الابواب الفقهية، كما لو وجدنا ماء لا نعلم بأنه طاهر أو نجس ولكن يوجد عندنا اطمئنان بنجاسته فهنا قال الفقهاء إنَّ هذا الاطمئنان حجة والمستند في ذلك ليس إلا حيثية العقل والعقلاء فإنَّ العقلاء يرون أنَّ الاطمئنان هو شيء يمكن أن يسير عليه العاقل كسيره على اليقين، فلو كان عندي يقين الآن بأن اليوم هو أول شهر رجب مثلاً فسوف اذهب إلى زيارة الامام الحسين عليه السلام، وهذا إنَّ دل على شيء فإنما يدل على بطلان قاعدة قبح العقاب بلا بيان فإنَّ مقصودهم من البيان هو العلم والحال أنَّ العقلاء في موارد الظن القوى المولد للاطمئنان لا يوجد عندهم علم بل يوجد ظن ولكن رغم ذلك يسيرون على طبقة ويقولون بحجيته وهذا دال واضح على بطلان قاعدة قبح القعاب بلا بيان، وهكذا الحال لو كانت هناك قوة في المحتمل وإن لم يكن الاحتمال قوياً.

والنتيجة:- هي أنَّ المنجز عند العقلاء هو أحد امرين، الأول قوة الاحتمال إلى درجة الاطمئنان، والثاني قوة المحتمل كاحتمال كون السائل سمَّاً فإنَّ الانسان العاقل لا يشرب ما يحتمل كونه سمّاً ولو كان احتماله بدرجة ضعيفة جداً كواحد بامائة أو أقل من ذلك، وعليه فنستيطع أن نقول إنَّ الثابت عند العقلاء هو هذه القاعدة وهي الأخذ بقوة الاحتمال أو قوة المحتمل.

وقبل الانتقال إلى النقطة الثانية يوجد عنوان متمم للبحث السابق:- وهو أنه هل يفرَّق بين الظن بالثبوت وبين الظن بالسقوط، فهل الظن حجة في ثبوت التكليف فقط أو أنه حجة في سقوطه أيضاً؟