45/07/29
الموضوع: - النقطة الثانية ( هل العلم الاجمالي منجّز بذاته أو بسبب تعارض الأصول في اطرافه؟ ) – العلم الاجمالي - الدليل العقلي.
النقطة الثالثة: - العلَّية والاقتضاء.
تكلمنا فيما سبق عن وجوب الموافقة القطعية وقلنا الكلام فيها يقع ضمن أربع نقاط وقد انتهينا من نقطتين وهذه هي النقطة الثالثة، فإنه بناءً على تنجّز العلم الإجمالي بذاته نسأل هل هو ينجّز لمعلومه بنحو العلّية التامة أو ينجو بنحو الاقتضاء؟
ولتوضيح الحال نقول: - بعد أن عرفنا أنَّ العلم لإجمالي ينجز لمعلومه بذاته - لا بسبب تعارض الأصول - نسأل ونقول:- هل هو ينجّز بذاته لوجوب الموافقة القطعية - للحرام مثلاً - بنحو العلّية التامة بحيث لا يمكن الرخيص حتى في طرفٍ واحد من اطرافه أو أنه ينجزها بنحو المقتضي وحينئذِ يمكن الترخيص في أحد الطرفين؟
وقد تقول: - كيف يمكن الترخيص في طرفٍ واحدٍ والحال أنَّ أدلة الأصول العملية إذا كانت تشمل أطراف العلم الإجمالي فهي تشمل كلا الطرفين فيلزم أن ترخّص في كلا الطرفين أما أنها تختص بواحدٍ منهما وترخص فيه دون الآخر فهذا لا يمكن تصوره حتى نأتي بهذا البحث؟
قلت: - إنَّ هذه قضية سنشير إليها فيما بعد حيث حصل فيها نزاع بين العلمين الشيخ النائيني(قده) والشيخ العراقي(قده) حيث اختار الشيخ النائيني(قده) عدم الإمكان، وبناءً على قوله يكون هذا البحث لغواً ومن دون ثمرة، واختار الشيخ العراقي(قده) الإمكان واثبت ذلك بأدلة، ونحن نقول: - إننا بارتكازنا نرى أنَّ الترخيص في أحد الطرفين غير ممكن.
ويصطلح على امكان الترخيص في أحد الأطراف بأنَّ العلم الإجمالي منجّز بنحو الاقتضاء، كما يصطلح على حالة عدم الإمكان بأنه منجّز بنحو العلّية التامة.
وقبل أن ندخل في صلب الموضوع نلفت النظر إلى قضيتين: -
القضية الأولى: - لماذا حصرنا وخصّصنا هذا النزاع بما إذا كان العلم الإجمالي منجزاً بذاته وليس بسبب بتعارض الأصول؟
والجواب: - لأنه إذا قلنا بأنَّ تنجيز العلم الإجمالي هو فرع تعارض الأصول فهذا معناه أنَّ الأصل يمكن أن يجري في طرفٍ واحد بعد امكان جريانه في كلا الطرفين، فإذا كان الأصلان يجريان في الطرفين لكنهما يتعارضان ويسقطان ثم يتنجز العلم الإجمالي فأيضاً يمكن أن يجري الأصل في طرفٍ واحد، فتخصيص محل النزاع فيما إذا كان العلم الإجمالي منجزاً بذاته لا بسبب تعارض الأصول هو لأنَّ الأصول إذا جرت في الطرفين فجريانه في طرفٍ واحدٍ يكون أولى.
القضية الثانية:- إنَّ هذا الكلام يتم بناءً على عدم جواز الترخيص في المخالفة القطعية، وأما بناءً على امكان الترخيص فيها كما اخترناه - حيث قلنا إنَّ أدلة الأصول تشمل كلا الطرفين غايته أنه توجد مناقضة عرفية في البين فإنَّ العرف يرى أنَّ هناك مناقضة بين علمنا بنجاسة واحدٍ من طرفي العلم الاجمالي وبين جريان الأصل في الطرفين فالأصل يجري في الطرفين ولكن لأجل هذه المناقضة العرفية لا يحصل الجريان - فمن البداية نحن فرضا إمكان الترخيص في طرفٍ واحدٍ بعد امكان الترخيص في الطرفين، فإمكان الجريان في أحد الطرفين تام من دون اشكال.
وعليه فقد يقال:- إنَّ هذا البحث لغوٌ ومن دون فائدة لأننا لا نتمكن أن نحصل على حالةٍ يحصل فيها جريان الأصل في أحد طرفي العلم الاجمالي دون الجريان في الطرف الأخر حتى يأتي هذا التنبيه - وأنه هل يمكن جريان الأصل في أحد الطرفين دون الآخر - ولذلك الشيخ أنكر الشيخ النائيني(قده) هذا البحث وقال سواء قلنا بالعلّية أو قلنا بالاقتضاء فإنه لا تظهر ثمرة لهذا البحث وإنما تظهر الثمرة فيما إذا أمكن جريان الأصل في أحد الطرفين والحال أنه غير يمكن، وقد زاد في ذلك عبارة وقال:- إما أن يفترض أنه إذا جرى الأصل في طرفٍ واحدٍ فإما أن نفترض أنَّ الطرف الثاني فيه أصل ترخيصي أو أنَّ فيه أصل إلزامي، فإن كان فيه أصل ترخيصي كالأول فسوف تصير معارضة بين الأصلين ويتساقطان، والأصل إذا لم يصر جارياً في أحد الطرفين فحينئذٍ لا يمكن أن نتصور وجود أصلٍ ترخيصي في طرفٍ من دون معارضٍ له في الطرف الثاني، وإذا كان الأصل إلزامي كما في مثال يوم الجمعة حيث نعلم اجمالاً بوجوب إما صلاة الظهر أو صلاة الجمعة فهنا أصل البراءة لا يتعارض في الطرفين؛ إذ صلاة الجمعة يجري استصحاب بقاء وجوبها من زمن الحضور إلى زمن الغيبة، وأما صلاة الظهر فنشك في وجوبها فنجري البراءة عن وجوبها، وعليه فالأصل الترخيصي لا يمكن أن نتصوره في كلتا الحالتين فيصير كل هذا البحث لغواً ومن دون فائدة.